بوتين يجني ثمار ما زرعه

  • 12/21/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد فراد أبو النور* الجولة المكوكية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين، 11 ديسمبر/كانون الأول 2017 التي شملت زيارات إلى كل من سوريا ومصر وتركيا في غضون يوم واحد، لم يتم اختيار موعدها عبثاً، بل جاءت في توقيت حافل بالدلالات والمعاني، ولم يكن ممكناً لتلك الجولة الخاطفة أن تحقق ما حفلت به من نتائج مهمة لولا ما سبقها من جهود وتحضيرات سياسية ودبلوماسية وعسكرية واقتصادية على مدى سنوات، بحيث جاءت جولة الرئيس الروسي في المنطقة بمثابة رحلة سريعة للحصاد وجني ثمار عمل طويل شاق، ومكثف، وصبور.بالنسبة إلى التحقيق، فإن جولة بوتين جاءت بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء العراقي، ثم وزير الدفاع الروسي، والسلطات السورية، عن استكمال مهمة تدمير «داعش» في البلدين كقوة عسكرية منظمة تسيطر على مدن، أو معاقل ذات أهمية، والانتقال إلى مرحلة مطاردة فلولها، وتطهير المواقع الأقل أهمية التي بقيت لها في البلدين، ووصول القوات العراقية والسورية وحلفائها إلى الحدود المشتركة بين البلدين، وسيطرتها على تلك الحدود، وإذا كان من الواجب القول إن مستوى النجاح العراقي في هذه المهمة أكبر من نظيره السوري، حيث لا تزال توجد أعداد اكبر من «الداعشيين» في مناطق محدودة، إلا أن مصير الإرهابيين المتبقين بات محتوماً، وتصفيتهم الكاملة هي مسألة وقت لا أكثر. لهذا كانت زيارة بوتين الخاطفة إلى سوريا من وإلى قاعدة حميميم الروسية، تحديداً، إعلانا لهذا الانتصار على «داعش» واحتفالاً به، وألقى بوتين خطاباً موجهاً إلى الضباط والجنود الروس هنأهم فيه بهذا الانتصار وشكرهم على إنجازاتهم، وأعلن بهذه المناسبة عن البدء بسحب جزء كبير من القوات الروسية في سوريا تدريجياً إلى قواعد مرابطتها الدائمة في وطنها. ويأتي هذا الحديث عن «الانسحاب التدريجي لجزء كبير من القوات» منسجماً مع الإعلان عن هزيمة «داعش»، ومع التقدم الملموس في جهود التسوية السياسية للصراع في سوريا، خاصة في إطار (عملية أستانة) والاستعداد لعقد «مؤتمر الحوار الوطني السوري) في سوتشي، على الرغم من التعثر الواضح (لعملية جنيف) الذي رأيناه بجلاء في اجتماعات (جنيف- 8) التي انتهت بالفشل، ونستطيع القول إنه منذ صدور بيان (ترامب- بوتين) الشهر الماضي على هامش قمة «الأبيك» في فيتنام، اصبح واضحًا تماماً أن واشنطن تترك قيادة عملية التسوية السورية لموسكو، وأن مطلب المعارضة بإزاحة الرئيس الأسد عن منصبه كشرط أولي، لم يعد يحظى بدعم دولي. وكانت دعوة الرئيس السوري لزيارة سوتشي مؤخراً، ثم لقاؤه بوتين في (حميميم) تأكيداً لهذه الحقيقة، وهي أن الأسد باق، وأن شرعيته لم تعد محل نزاع دولي. وبناء على ذلك كله فإن حديث بوتين عن الانسحاب التدريجي للقوات الروسية قد يساعد على تلطيف الأجواء حول عملية التسوية السياسية، لكننا لا بد أن نلاحظ أن موسكو سبق لها الإعلان عن موقف مشابه في مرحلة سابقة، لكن ما حدث فعلاً هو زيادة حشد القوات الروسية في سوريا تبعاً لما فرضته تطورات الأوضاع الميدانية، وصحيح أن الأوضاع الميدانية بعد هزيمة «داعش» ربما لا تتطلب الوجود العسكري الروسي الكبير نفسه، كما أن روسيا ليس لها مصلحة في تكبد نفقات حشد عسكري أكثر من اللازم لأداء مهماتها في سوريا، لكن المؤكد أن تصريح بوتين بانسحاب القوات هو أمر خاضع لتقديرات الكرملين.وخلاصة القول أن المحطة الأولى في جولة بوتين كانت إعلاناً عن انتصار روسي كبير على الإرهاب في المنطقة، (ويجب ألا ننسى أن إمدادات السلاح الروسي الضخمة إلى العراق كان لها دور مهم في انتصار بغداد على «داعش»)، وكان حرص الرئيس الروسي على القيام بزيارته لسورية عقب الإعلان عن هزيمة «داعش» أمراً يساعد على تأكيد هيبة بلاده المعنوية، وتعزيز نفوذها في المنطقة وتأثيرها في المسار اللاحق لعملية التسوية السياسية في سورية.وقبل أن ننتقل إلى متابعة المحطتين التاليتين في جولة بوتين (مصر وتركيا) يجب أن نشير إلى نقطة مهمة من حيث التوقيت خدمت روسيا كثيراً، نعني أن جولة بوتين جاءت بعد أيام من قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة ل»إسرائيل»، وإن كان من المرجح جداً أن تكون المسألة صدفة، لأن من الصعب ترتيب زيارات رسمية بهذه السرعة، إلا أن بوتين جاء إلى منطقة مشتعلة بالغضب ضد الولايات المتحدة، ما جعل لموقف موسكو تجاه هذه القضية تأثيراً ممتازاً على المستويين الشعبي والرسمي، ومعروف أن روسيا تتخذ موقفاً مؤيداً للحقوق الفلسطينية، وتدعو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، تكون عاصمتها القدس الشرقية، وهو ما أكد عليه بوتين أثناء زيارته للقاهرة، ثم أكده أثناء زيارته لأنقرة، حيث كان مقرراً أن تنعقد قمة منظمة التعاون الإسلامي بعد يومين (وبالمناسبة فإن روسيا عضو فيها) وما كان طبيعياً أن يلقى ترحيباً شعبياً ورسمياً حاراً، وصدى إعلامياً ممتازاً مع دعوات واسعة لأن تلعب روسيا دوراً أساسياً، إن لم يكن قيادياً، في تسوية الصراع العربي- «الإسرائيلي»، وفي القلب منه القضية الفلسطينية،. وقد شهدت زيارة بوتين الخاطفة إلى مصر خطوات بالغة الأهمية لتعزيز التعاون بين القاهرة وموسكو في مختلف المجالات، فقد تم توقيع عقد إنشاء محطة «الضبعة» النووية لتوليد الكهرباء بعد مفاوضات استمرت أكثر من عامين ونصف العام، وتنتج المحطة (4800 ميجا وات) من الطاقة الكهربائية عند اكتمال بناء مفاعلاتها الأربعة (1200 ميجاوات) لكل مفاعل. كما تم أثناء الزيارة دفع المفاوضات بقوة للأمام أو الاتفاق فعلاً على تشريعات مختلفة للتعاون الاقتصادي لا يتسع لها المجال هنا، لكن أهمها هو إقامة المنطقة الصناعية الروسية شرق قناة السويس، باستثمارات تبلغ نحو (7 مليارات دولار) ومن المقرر أن تضم منشآت للصناعات الإلكترونية والهندسية وصناعة السيارات والشاحنات والأوناش وغيرها، بما يخلق (35 ألف) فرصة عمل جديدة، ويتيح (توطين تكنولوجيا) متقدمة في هذه المجالات.الجانب الذي لم يحظ بما يستحق من تغطية إعلامية- وإن كان قد احتل جزءاً كبيراً من كلمة بوتين في مؤتمره الصحفي مع الرئيس السيسي، كما لقي تغطية واسعة في الإعلام الروسي- هو ذلك الجانب المتعلق بالتعاون العسكري المصري- الروسي سواء فيما يتصل بتسليح الجيش المصري عموماً، أو في ما يتصل بالتعاون الواسع في مجال مكافحة الإرهاب،.تركيا كانت المحطة الثالثة في جولة بوتين الخاطفة التي جاءت قبل يومين من قمة منظمة التعاون الإسلامي الطارئة لبحث الموقف من قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة ل»إسرائيل»، ونجد من الضروري هنا الإشارة إلى ما تنطوي عليه عبارات أردوغان من مزايدة وكلمات نارية، بينما تزدهر العلاقات العسكرية والاقتصادية بين أنقرة و»تل أبيب»، ما ينزع المصداقية عن تصريحات أردوغان.وبغض النظر عن هذه القضية، فقد شهدت محادثات بوتين في أنقرة نقاشاً لقضايا بالغة الأهمية حول جهود التسوية في سوريا في إطار (عملية أستانة) التي تلعب تركيا وإيران دور الضامن فيها، تحت قيادة روسيا والاستعداد لمؤتمر الحوار الوطني السوري المرتقب في سوتشي، والحلول الوسطى للتمثيل الكردي التي يمكن أن تقبلها تركيا *كاتب سياسي مصري. خبير في الشؤون الروسية

مشاركة :