الحرب على الإرهاب - د.علي بن حمد الخشيبان

  • 9/29/2014
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

الحرب على الإرهاب التي نشاهدها اليوم تثبت أن القضاء على الإرهاب مطلب عربي إسلامي دولي لأن الإرهاب هو الصورة السلبية التي خرج لنا بها التاريخ من محاولة تقليد حديثة وفاشلة لحضارات دنيوية أخرى ناجحة ومن استراتيجية فاشلة أقحمت الدين والفكرة الإيمانية بمسار متناقض عبر التاريخ الإرهاب أو ما يمكن تسميته فيروس حضارة القرن الحادي والعشرين، هذا الفيروس لا يمكن السيطرة عليه بسهولة أو حتى تعريفه بشكل مرض للجميع لأن تداخلات الإرهاب كثيرة ولكن الحقيقة الراسخة هي ضرورة محاربة الإرهاب ونتائجه وهذا أمر محتم على العالم كله وليس مجتمعات بعينها، والإرهاب يعتبر أخطر مهددات العالم اليوم وذلك نتيجة وصوله إلى مراحل متقدمة من العنف وتحوله من الإطار الفكري النظري التاريخي إلى الإطار التنفيذي. خلال الخمسة عقود الماضية أسهمت التشكيلات الفكرية في تاريخ الإسلام والتي تم تبنيها عبر جماعات إسلامية تشكلت داخل الإطار الإسلامي وفي مجتمعاته، في طرح نظريات تعتمد على بناء رؤية فكرية حول الإسلام وإمكانية تقديمه من جديد كخلافة سياسية مشتقة من الصورة التاريخية، هذه الفكرة أسهمت بشكل جدي في فتح الشهية التاريخية لكثير من الشعوب الإسلامية والعربية تحديداً، فهذا التعلق بالخلافة الإسلامية يبرره الإسلام السياسي بأنه مثال يسهل تطبيقه بالاعتماد على نصوص التاريخ التي تتحدث عن الخلافة الإسلامية. بمعنى أقرب للفهم – يعتقد الإسلام السياسي أن إمكانية إعادة الخلافة الإسلامية تكمن في زرع هذه الفكرة في العقول العربية والإسلامية بشكل نظري فقط عبر اعتماد قصص التاريخ والبطولات المكتوبة حول تشكيل هذه الخلافة-ذات الإسلام السياسي وعبر جماعاته الفكرية وقع في أزمة كبرى وهي السذاجة في قراءة النص التاريخي والاعتقاد بأن التطبيق يمكن تحقيقه بوجود أفراد مؤمنين بالفكرة التاريخية. الظلم التاريخي للمشروع الإسلامي ابتدأ من هذه النقطة -حيث الاعتقاد بأن فكرة الإيمان كفيلة بتحقيق النصر في الإطار السياسي والحضاري الحداثي-والحقيقة أن هذه الفكرة شكلت أزمة كبرى في تاريخ العرب المسلمين وساهمت في نشوء الإرهاب، لذلك يتم القتل والذبح والإرهاب والعنف والتطرف انطلاقا من مشروع الإيمان للأسف وليس تحقيقاً لمشروع الخلافة وهذا ما يحدث فعلياً على الأرض، حيث يتم التغرير بالجميع من الشباب وغيرهم تحت فكرة اتهامهم بنقص في مقوماتهم الإيمانية. الفكرة السياسية في بناء الخلافة التي تتردد على لسان الجماعات المتطرفة ليس لها علاقة مباشرة بفكرة الإيمان الديني، ولذلك تعاني الجماعات المتطرفة من أزمة وتحد كبير، فهذه الجماعات بنيت أيديولوجيا بقسمين الأول مرتبط بالقيادات في تلك الجماعات وهي التي تتبنى البعد السياسي فقط وهذا ما يجب أن يفسر لنا جميعا ذلك السؤال المحير فكرياً وثقافياً: لماذا يحرض القادة والدعاة الأفراد على الانضمام إلى الجماعات المتطرفة والقتال عبر استخدام خطاب يركز على تنشيط خلايا الإيمان لدى الفئات المستهدفة من الشباب وغيرهم بينما هم يظلون بعيدين عن المجال التحفيزي للإيمان؟. الإجابة بكل بساطة أن المشروع الإسلامي تم تزويره لأنه في الأساس مشروع إيماني بالدرجة الأولى في بداية ولم يتحول يوما الى مشروع سياسي وخلافة إلا عندما أصبح مشروعاً مختلطاً من الإيمان الديني والإيمان السياسي، أما القسم الثاني مرتبط بالسذج من الأفراد الذين يتم اتهامهم بنقص إيمانهم الذي لن يكتمل إلا بسلوك الإرهاب. إذن الفكرة التي يعتمد عليها الإرهاب هي من جانبين جانب إيماني يحرض على أن اكتمال الإيمان مرتبط بتجاوز كل المحرمات الإنسانية والعقلية وأن اكتمال الإيمان يتحقق بالإرهاب للحصول على نتيجة سياسية تتمثل في الخلافة، الجانب الثاني جانب سياسي مرتبط بالقيادات يستخدم فكرة الإيمان الديني لتحقيق انتصار سياسي على حساب الدين قبل كل شيء. الفكرة الإيمانية للمسلمين والتي ساهمت في انتصاراتهم كانت وحيدة في ساحات المعارك فكان المطلب الأساسي لكل معركة ليس بناء خلافة بل رغبة إيمانية لنشر الدين الإسلامي وكان كل المشروع الإسلامي قائما على أن نشر الدين لا يمكن أن يكون إجبارياً لأن خيارات ثلاثة كانت تحكم المشروع الإيماني للمسلمين (دخول الإسلام، الجزية، الحرب). الإرهاب اليوم هو صورة الأزمة بين الأيمان والسياسة التي تبنتها جماعات الإسلام السياسي من خلال إشكالية فكرية تدور بين (الإسلام والدولة)، هذه القراءة التاريخية المبسطة تعطينا نتائج حتمية وهي أن الإرهاب اليوم هو نتيجة تاريخية لتبرير مبالغ فيه للتاريخ الإسلامي يعتمد على صورة فكرية مستحيلة التطبيق، لذلك عجزت استراتيجيات الإسلام السياسي أن تستثمر الفكرة الإيمانية لتحقيق الفكرة السياسية لأن ذلك مستحيل في سياق التاريخ البشري. طغيان الإرهاب القائم على القتل والعنف لا يمكن التعامل معه حوارياً، لأن هذه اللغة أي لغة الحوار مفقودة في قاموسه الفكري، وهذا ما أثبتته جماعات الإسلام السياسي التي عجزت عن تحقيق نجاحات سياسية لأنها تعتمد أفكاراً عنيفة تقوم على نظرية فرض ثقافة إيمانية محددة وفرض منهجية وثقافة مجتمعية محددة. لذلك فشل الإسلام السياسي في تحقيق وعوده للمتطرفين من أتباعه الذين يعتقدون أن الإيمان مبرر للقتل والإرهاب وذلك بخلق مجتمع يطابق تصوراتهم التاريخية التي رويت لهم على شكل قصص وبطولات فردية، ومن المسلمات القاتلة في تاريخنا وثقافتنا أنه لا يوجد نظرية سياسية أو حضارية ذات منهج يمكن البناء عليها ورؤيتها من خلال مشروع حضاري فكل مكونات التاريخ لدينا مساهمات فردية تعتمد على السيرة الذاتية للفرد انطلاقا من القادة وحتى العلماء. الحرب على الإرهاب التي نشاهدها اليوم تثبت أن القضاء على الإرهاب مطلب عربي إسلامي دولي لأن الإرهاب هو الصورة السلبية التي خرج لنا بها التاريخ من محاولة تقليد حديثة وفاشلة لحضارات دنيوية أخرى ناجحة ومن استراتيجية فاشلة أقحمت الدين والفكرة الإيمانية بمسار متناقض عبر التاريخ، لذلك ولد الإرهاب الذي يجب على العالم كله ألا يعتبره صورة تاريخية مصغرة لفكرة الإسلام. الإرهاب اليوم وما نراه في العراق وسورية وغيرهما من بلدان العالم على يد (القاعدة أو داعش) هو الجريمة التي ترتكب بحق الإسلام تزويراً لتاريخ الإسلام النقي وهذا ما جعل من الدول الإسلامية والعربية ومنها المملكة العربية السعودية أن تتصدى لهذا الفيروس الدولي حماية للإسلام الحقيقي وتنقيته من كل متطفل يحاول أن يدنسه كمشروع عظيم.

مشاركة :