العنف الجنسي، زواج القاصرات والإساءة إلى النساء من خلال الأمثال الشعبية، كانت أبرز المواضيع التي ركّز عليها لبنان خلال مشاركته في حملة «نشاط 16 يوماً»، تحت عنوان «اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة»، من خلال مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة لإنهاء العنف ضد المرأة، وذلك عبر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية والجمعيات التي تُعنى بحقوق المرأة، بالتعاون مع «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة». وفي هذا الإطار أطلقت منظمة «أبعاد» التي تعنى بالعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين، حملة «المؤبّد إلو (له) والحياة إلها» التي سلّطت الضوء على أخطر أشكال الاغتصاب والاعتداء الجنسي وأكثرها انتشاراً في صورة غير معلنة، والتي تعاني منه النساء والفتيات في العالم وفي لبنان أيضاً، وهي الاغتصاب من أحد أفراد الأسرة أو ما يسمّى بـ «الاغتصاب السفاحي». تهدف «أبعاد» من خلال هذا الحملة إلى تعديل الفصل السابع من قانون العقوبات اللبناني، بحيث تشدد العقوبة لتصل إلى المؤبّد لكلّ من اعتدى جنسياً على ابنته أو اخته أو ابنة اخته او ابنة أخيه أو من يمارس أيّ سلطة شرعية أو فعليّة على الضحيّة. وفي هذا الإطار، تقول منسّقة مشاريع في المنظمة راغدة غملوش، أن الهدف من هذه الحملة تحديداً تعديل المادة الأولى من الفصل السابع من قانون العقوبات اللبناني، التي تتضمّن مجموعة عقوبات مخفّضة بحق من يعتدي جنسياً من أصول أو فروع أو أوصياء شرعيين، خصوصاً إذا كانت الضحية قاصر. وتضيف أنه حالياً ووفق القانون الموجود، تتراوح عقوبة المعتدي بين 5 و9 سنوات حداً أقصى، تبعاً لعمر الضحية وحالتها، أي إذا كانت دون الـ15 سنة أو من ذوي الإعاقة وغيرها من الحالات، معتبرة أن هذه العقوبة مخفضة جداً وأن الحملة تطالب بالسجن المؤبّد للجاني. وتضيف غملوش أن الحملة استكمال لما بدأت به «أبعاد» عام 2016 لإلغاء مواد مشجعة في القوانين اللبنانية، وخصوصاً في قانون العقوبات، لا سيما المتعلقة بالعنف الجنسي والتي تعتبر من المواضيع التي لا يتم الحديث عنها دائماً لأنها من المحرّمات الاجتماعية. وذكّرت غملوش بحملة «ما تلبسونا 522» لإلغاء هذه المادة التي كانت تعفي المغتصب من العقوبة في حال تزوّج ضحيته، وكيف ساهمت الحملات والضغوط بإلغائها في آب (أغسطس) الماضي. حملة لم تأتِ من فراغ ولم يأتِ اختيار «أبعاد» التوعية حول موضوع الاعتداء الجنسي من قبل الأقارب ضمن حملة 16 يوماً العالمية من فراغ، فواحدة من كل أربع نساء في لبنان تتعرّض للاغتصاب، وفق نتائج استطلاع رأي وطني قامت المنظمة أخيراً بالتعاون مع مركز البحوث والاستشارات، ووفق الإحصاءات الصادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وعلى رغم أن 98 في المئة من المواطنين في لبنان يشجّعون النساء على إبلاغ القوى الأمنية عند تعرّضهنّ لاعتداء جنسي، و60 في المئة منهم مع تشديد العقوبة إذا كان المعتدي جنسياً من أفراد الأسرة، فقط 24 في المئة من اللواتي تعرّضن للاعتداء الجنسي بلّغن عن هذا الاعتداء. وورد في الاستطلاع أن 49 في المئة من حالات الاعتداء الجنسي تتمّ من قبل أحد أفراد الأسرة أو من المعارف والمحيطين بالنساء، وأن حوالى 13 امرأة في لبنان بلّغن شهرياً عن حالة اعتداء جنسي (خلال 2017). سمية زهور وحوراء وغيرهن من القاصرات روين قصصهن مع الاعتداء الجنسي عبر منظمة «أبعاد»، في محاولة منهن لكسر الصمت حول هذا الموضوع. تتشابه قصص تلك الفتيات من حيث أنهن تعرّضن للاعتداء الجنسي من أحد أفراد العائلة، وعانين من الصدمة والخوف من المجتمع حتى استطعن في النهاية الهروب واللجوء إلى أشخاص يثقون فيهم طلباً للمساعدة. تكشف إحدى الفتيات (18سنة) والتي تواصلنا معها من طريق «أبعاد»، أنها تركت البيت عندما كان عمرها 16 سنة، هرباً من أبيها الذي كان يعتدي عليها جنسياً. وتقول: «لا أخجل مّما حصل معي، كسرت حاجز الخوف من المجتمع، خجلي الوحيد أن من اعتدى عليّ هو والدي، هذا وجعي. لم أكن أعرف أن ما يحصل اعتداء، أنا يتيمة الأم وأختي الوحيدة متزوجة، كنت أعيش مع والدي في منزلنا، فكّرت في الحديث عن الموضوع مرات، لكن كنت أعرف أن أحداً لن يصدقني، فهذا أبي، إلى أن لجأت إلى جيراننا الذين أوصلوني إلى أبعاد». توضح هذه الفتاة أنها اليوم تعيش حياة أفضل، وتدعو من تتعرّض للتحرّش، لا سيّما من أحد أقاربها، إلى الكلام عن الموضوع، مطالبة بمحاسبة أبيها، وبالسجن المؤبّد له: «لا أفكر في أنه أبي عندما فعل ذلك، لم يفكّر أنني ابنته». التفهّم والمساندة ... والاستعداد في الآونة الأخيرة، بدأ المجتمع وتحديداً في العالم العربي يشجّع اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي، على فضح المعتدي وكسر حاجز الخوف حتى يأخذ الجاني عقابه، ومن هذه الحملات الحملة العالمية «أنا أيضاً» وحملات محليّة مثل «إفضح متحرّشاً» وغيرها. ولا شكّ في أن الحديث عن موضوع التعرّض للتحرش أو الاعتداء الجنسي له إيجابيات، لكن يجب أن تحضر «الضحية» للاعتراف وأن تكون مستعدة لردّات الفعل. وفي هذا الإطار، تقول المعالجة النفسية وإحدى مؤسّسي جمعية «embrace» ميا عطوي، أنّه في شكل عام تعتبر القدرة على التكلّم حول أي موضوع حسّاس شكّل صدمة نفسية للشخص، أمراً إيجابياً يساعد على تخطّي الصدمة والألم والقدرة على التأقلم مع الصدمة التي وقعت، ما يسهّل التعافي منها لئلا تشكّل عائقاً نفسياً للشخص «الضحية» في المستقبل. وتضيف عطوي أن من المفيد التشجيع على اللجوء إلى العلاج أو التحدّث مع شخص عن الموضوع، لكن يجب أن يكون الشخص «الملجأ» متفهماً ومسانداً للضحية فيوفّر لها الدعم، لأنه في بعض الأحيان تتعرّض الضحية عندما تتكلم، إلى الاستغلال. وتؤكّد ضرورة استشارة اختصاصي، سواء معالج أو مستشار قانوني أو جمعية خيرية تعنى بالقضية المحددة، لأن هذا الأمر يساعد ضحية العنف أو الاعتداء الجنسي على فهم إيجابيات الانفتاح على الموضوع وانعكاساته. وفيما خص الاعتراف على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول عطوي أنها خطوة أكثر حساسية، لأن هذه المواقع تمثل عالماً مفتوحاً فيه من يعرف معنى الاعتداء وضرورة الحديث عن الموضوع، وفيه أيضاً أناس لا يزالون ينظرون إلى الأمر كوصمة عار وعيب، ما قد يعرّض الضحية للاستغلال أو التنمّر. لذا، يجب أن تكون الضحية مستعدة نفسياً ومعرفياً لهذه الخطوة، وأن تكون محاطة بمختصّين يرافقونها خلال هذه المرحلة.
مشاركة :