قال وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، في سابقة، إنّ بلاده مستعدة للتفاوض مع كوريا الديموقراطية (الشمالية) من دون شروط مسبقة. غير أنّ البيت الأبيض سرعان ما قام «بتصحيح» تصريحاته، وأوضح أن الموقف الأميركي على حاله: على كوريا الشمالية أن تبدأ أولاً بنزع السلاح، قبل أي حديث آخر. وفي الوقت نفسه، لا تزال دائرة التوتر في شبه الجزيرة الكورية تكبر وتتسع. فبعد تنظيم أكبر التدريبات والمناورات خلال السنوات العشر الأخيرة بين القوات الجوية الأميركية وكوريا الجنوبية، أجريت مناورات جديدة على مكافحة الغواصات الكورية الشمالية. وأبرز أسباب تفاقم الوضع الحالي هو: 1) التطور السريع وغير المتوقع لبرامج الصواريخ النووية الكورية الشمالية، وثانياً، الرد العصبي والانفعالي لإدارة دونالد ترامب على هذه النجاحات. فالدوائر الحاكمة في أميركا عاجزة عن تحمل وقبول فكرة أن نظام بيونغيانغ، وكان من المتوقع أن ينهار منذ عقود، حاز أو هو على وشك حيازة القدرة على تنفيذ هجوم صاروخي- نووي يطال الأراضي الأميركية. ويقوض السماح لبيونغيانغ بالحصول على هذه القدرة أسس السياسة الخارجية الأميركية، وقوامها التدخل بالقوة في شؤون الدول الأخرى. وحيازة كوريا الشمالية مثل هذه القدرات هي تحد مباشر لوعود ترامب المتكررة بمنع بيونغيانغ من امتلاك قدرة استهداف المدن الأميركية. الرد الأميركي على إطلاق كوريا الشمالية الصواريخ أخيراً، وهو من قبيل الهيستيريا، يظهر أن الأميركيين ليسوا قلقين من البرنامج الصاروخي مقدار قلقهم من قدرة هذا الأخير على توجيه الأسلحة النووية الى الأراضي الأميركية. وتوحي تصريحات ترامب ومساعديه بأن الرغبة في الحؤول دون ذلك قد تسوغ ضربة وقائية ضد بيونغيانغ. وفي وقت لا تلقى فيه مبادرة «التجميد المزدوج» الروسية- الصينية قبول واشنطن وبيونغيانغ، فإن البحث عن حلول قد تُبطئ انزلاق الأوضاع إلى الكارثة يصبح أكثر إلحاحاً. ويقضي حل من هذه الحلول بتسوية منفصلة لموضوع الصواريخ الباليستية عن المشكلة النووية. فعلى سبيل المثل والتحديد، مقابل العدول العلني أو الضمني لبيونغيانغ عن تجارب الصواريخ العابرة القارات (الباليستية) ورؤوسها الحربية، يسع مجلس الأمن الدولي أن يؤكد حق كوريا الشمالية في إطلاق المركبات الفضائية للأغراض السلمية، وفق معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر الصناعي والأجرام السماوية الأخرى (معاهدة الفضاء الخارجي). وهي معاهدة انضمت إليها كوريا الشمالية، الى عدد من الاتفاقيات الدولية الأخرى التي تنظم أنشطة الدول في هذا المجال. والحق يقال، رفض الإقدام على اختبارات جديدة للصواريخ العابرة القارات ينزع على الفور فتيل التوتر، فهو يطوي التهديد بتوجيه ضربة الى المدن الأميركية، وهذا ما وعد ترامب بعدم السماح به مهما كان الثمن. وفي المقابل، تحوز بيونغيانغ الاعتراف بحقها في إطلاق الأقمار الاصطناعية، وهو حق لن تتخلى عنه في أي حال من الأحوال. ويعتبر الحظر المفروض على عمليات إطلاق الأقمار الصناعية بواسطة التكنولوجيات الباليستية مثيراً للجدل الى حد كبير في ميزان القانون الدولي، وهو حظر فرضه مجلس الأمن الدولي ضد دولة واحدة في العالم هي كوريا الشمالية. ولا شك في أن الفصل بين البرنامجين الصاروخي والنووي يمكن أن يحل مشكلة أخرى من شأنها أن تفجر الاتفاق، وهي القدرة على التحقق من نوع الصواريخ، وهو أمر حساس جداً في كوريا الشمالية. فبيانات إطلاق أي صواريخ وطبيعته يمكن التعرف اليها بسهولة في مراكز المراقبة. لذا، لا حاجة إلى عمليات التفتيش في الموقع، على الأقل في المرحلة الأولى. فالمتخصصون لديهم القدرة على تحديد نوع الإطلاق، وما إذا كان لغايات نقل أقمار صناعية إلى مدار قريب من الأرض، أو إذا كان موجهاً ضد هدف تقليدي على مسافة ألف كيلومتر. وقد يقول بعضهم إن هذا القرار لا يحتسب مصالح اليابان وكوريا الجنوبية. لكنه، على أقل تقدير، سبيل الى هدف بارز، أي تخفيف التوتر وحتى تبديد خطر الحرب الكبيرة. وبناء عليه، من الممكن المضي قدماً، وبعث الدور الرائد لمجلس الأمن في حل واحدة من أكثر الأزمات الدولية حدة في الزمن الحاضر. أما في مقاربة أنواع أخرى من الصواريخ التي تمتلكها كورية الشمالية، ونظراً للمنافسة المستمرة بين بيونغيانغ وسيول وعدم رغبتهما في التنازل والمساومة، فيجب فرض قيود واحدة ومتطابقة على برامج صواريخ الدولتين، مما يعني انضمام البلدين إلى النظام الدولي لضبط تكنولوجيا الصواريخ (Missile Technology Control Regime). وفي المتناول تكريس اتفاق الصواريخ في قرار أممي. ومثل هذا القرار يتناول عدداً من المسائل، منها إلغاء العقوبات على بيونغيانغ، بعد أن تنتفي الحاجة اليها في ضوء هذه الاتفاقات، ووضع جدول زمني واضح لإلغاء القيود المتبقية بناءً على امتثال جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية لالتزاماتها بموجب النظام الدولي للتحكم في تكنولوجيا الصواريخ وغيرها من المعاهدات الدولية التي هي عضو فيها أو التي يجب أن تنضم إليها. وفي الوقت الراهن، لا يوجد حل توفيقي شامل للمشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية. ولكن لا يستخف بأهمية البدء في السير في هذا الاتجاه. ويمكن أن تكون الاتفاقات المتعلقة بالصواريخ هي الخطوة الأولى في هذا المسار. ويقتضي حلّ المشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية إبرام اتفاق هيكلي وتدريجي، مثل الاتفاق النووي مع إيران. وعلى رغم التباين بين الحالين الكورية والإيرانية، خلاصة الدرس الرئيسي من «الاتفاق الإيراني» لكوريا مفاده أن التسوية التي أُبرمت بين طرفي نقيض– واشنطن وطهران– والتي بدت متعذرة في البدء، صارت في النهاية، ومن طريق الإرادة السياسية والحنكة الديبلوماسية، وأحياناً «ضغط» المشاركين الآخرين في المفاوضات، ممكنة وقابلة للحياة. * خبير في شؤون شبه الجزيرة الكورية، عن «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية، 18/12/2017، إعداد علي شرف الدين.
مشاركة :