أعلن صندوق النقد الدولي، الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2017، أنه وافق على منح مصر دفعةً جديدةً من قرض متفق عليه، تناهز قيمتها 2,03 مليار دولار. وهذه الدفعة هي الثالثة التي تُمنح للقاهرة في إطار خطة مساعدة كبيرة بقيمة 12 مليار دولار، كانت أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وبذلك، يكون الصندوق دفع ما مجموعه 6,08 مليار دولار، بحسب ما أفاد في بيان مقتضب. إصلاحات مقابل القرض ومقابل خطة المساعدة الدولية، تعهَّدت الحكومة المصرية بإجراء إصلاحات اقتصادية جذرية، في مقدمها تحرير سعر الصرف، وفرض ضريبة قيمة مضافة، وخفض دعم المحروقات لتحسين الوضع المالي للحكومة واحتياطياتها من العملة الأجنبية بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. لكن صندوق النقد أشار إلى أن البلاد لا يزال أمامها عمل يتعين القيام به. وقال ديفيد ليبتون، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد، إن "المستقبل موات، لكن سوف يتطلب جهوداً مستدامة للحفاظ على سياسات حازمة وإصلاحات هيكلية متقدمة، لدعم هدف السلطات على المدى المتوسط بتحقيق النمو الشامل وخلق الوظائف". وأضاف "إصلاح دعم الطاقة أمر حاسم من أجل تحقيق الأهداف المالية للبرنامج"، والإبقاء على دين الحكومة في مسار يتجه نحو الانخفاض. وشدّد على حاجة السلطات أيضاً لتنفيذ إصلاحات ضريبية، وتحديث نظام الضرائب والجمارك، لتحرير الاستثمارات في مجالات أخرى. وتسلمت مصر الدفعة الأولى من القرض، بقيمة 2,75 مليار دولار نهاية 2016. وفي يوليو/تموز، وافق الصندوق على منح مصر الدفعة الثانية من القرض، بقيمة 1,25 مليار، وأشاد بالإصلاحات الاقتصادية الصعبة التي طبّقتها البلاد رغم أنها أدت إلى رفع معدل التضخم بشكل كبير. تضخم غير مسبوق في أسعار الخدمات وأدت الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة المصرية إلى موجة تضخم غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات، حتى بلغت مستوى قياسياً، في يوليو/تموز 2017، تخطى 34.2%، قبل أن ينخفض إلى 33.2%، في أغسطس/آب. وفي إطار الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، حرَّرت مصر سعر الجنيه، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وفقدت العملة نصف قيمتها، مما تسبب في تدهور القوة الشرائية، ودفع التضخم لمستويات قياسية مرتفعة، تجاوزت 30% هذا الصيف. هذا التحول الملحوظ دفع المصريين، بحسب رويترز، إلى استبدال السيارات الحديثة بأخرى أرخص، وحدَّ من التسوق في متاجر البقالة مرتفعة الأسعار، والتخلي عن قضاء العطلات في الخارج، بعد ارتفاع تكاليف معيشة الطبقة الوسطى ارتفاعاً فلكياً، بسبب تحرير سعر صرف العملة قبل عام."الإصلاح سيقود إلى النمو" وتقول حكومة السيسي المدعومة من صندوق النقد والبنك الدولي، إن الإصلاح سيقود إلى نمو طويل الأجل، وعودة الاستثمار الأجنبي. واعتمد المسؤولون برامج لتزويد الفقراء والفئات الضعيفة بالمال ووسائل حماية أخرى. لكن تكاليف الوقود ارتفعت لمثليها، في ظل زيادتين للأسعار المدعمة. وارتفعت أسعار الكهرباء، وساعد فرض ضريبة جديدة على رفع التضخم إلى أكثر من 30% في يوليو/تموز. وتراجع التضخم حالياً إلى 25%، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر قريباً، لكنه كان كفاحاً مريراً للبعض. يقول هشام عز العرب، رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر، في تصريح سابق لرويترز، إن المنتمين لشريحتي الدخل الوسطى والعليا هم الأكثر تأثراً بالإصلاحات الاقتصادية، لكن تجاوز أثر تلك الإصلاحات سيستغرق بعض الوقت بالنسبة لتلك الأسر. وقال لتلفزيون سي.إن.بي.سي: "رأينا ذلك بوضوح في نمط إنفاقهم، لقد بدأ في التغير... بالنسبة للطبقة الوسطي والعليا هي مسألة وقت قبل أن يبدأ دخلهم في الوصول إلى مستوى ما قبل الإصلاحات". تخفيضات ومساومات بالنسبة لأصحاب الأعمال، مثل كريم، الذي يملك نشاطاً تجارياً صغيراً في القاهرة، كان التغيير صارخاً. فقد ارتفعت فواتير الغذاء الشهرية من 1200 جنيه (67 دولاراً) إلى 3200 جنيه (179 دولاراً). ويعني ذلك أنه للمرة الأولى سيبدأ السعي لشراء الغذاء بأرخص الأسعار، وأن يتخلى عن السلع الكمالية، ويقلص استخدام السيارة كي يخفض الإنفاق على الوقود. يعني ذلك أيضاً أن يقوم بزيادة رواتب موظفيه للاحتفاظ بهم، بل وبذل تضحيات كي يبقي أطفاله في المدارس. وقال: "الطبقة الوسطى لديها خياران، إما أن تنزلق إلى الطبقة الأدنى، وهو أمر من الصعب عليها القيام به، وإما أن تأخذ بزمام المبادرة... الجميع يحاولون أن يظهروا أنهم ما زالوا في الطبقة الوسطى، يريدون أن يقنعوا أنفسهم بذلك". وبالنسبة لآخرين، فالحفاظ على نمط حياة الطبقة الوسطى يعني السحب من المدخرات والتخلي عن المطاعم، أو حتى اللجوء إلى الأقارب للحصول على المساعدة لقضاء العطلات العائلية. وقال إسلام عسكر، مالك شركة مقاولات عن الطبقة الوسطى "إنها تنقرض"، مضيفاً: "لا توجد أسرة في مصر لم تتأثر سلباً بانخفاض الجنيه وزيادة الأسعار". ويقول الاقتصاديون، إن تآكل الطبقة الوسطى يبرز في أرقام مبيعات السيارات وانخفاض أسهم بعض شركات السلع الاستهلاكية، وتدفقات السياحة إلى خارج البلاد. وترى رويترز أن توقعات التضخم في مصر تتحسن بالفعل بعد عام من تحرير سعر الصرف، لينخفض التضخم إلى 26% في نوفمبر/تشرين الثاني. وقال وزير المالية عمرو الجارحي، إن التضخم سينخفض إلى نحو 14%، بحلول أغسطس/آب من العام القادم. إلا أن تمسك صندوق النقد مع منحه الدفعة الثالثة من القرض بإدخال إصلاحات على دعم الطاقة، واعتباره أمراً حاسماً بالنسبة للصندوق، سوف يكون له انعكاسه السلبي على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بمصر، اللتين ستتضرران بشكل مباشر من الارتفاع المرتقب لأسعار الطاقة.
مشاركة :