لم يعد لفظ حساسية الطعام غريباً أو غير متداول، حيث إن عدد الحالات من الأطفال الذين يعانون من حساسية الطعام أصبح في ازدياد، فضلاً عن تنامي المعرفة الطبية والصحية نتيجة التكنولوجيا الحديثة.ويعني لفظ حساسية الطعام أن الجسم يتعامل مع أنواع معينة من الطعام كما لو كانت أجساماً غريبة وضارة، مثل التعامل مع أي ميكروب أو فيروس، وبالتالي يبدأ في مهاجمتها من خلال عملية تسمى «التفاعل المناعي» أو الحساسية. والحقيقة أن حساسية الطعام يمكن أن تكون تجاه نوع واحد من الغذاء، مثل حساسية الفول السوداني، وفي بعض الأحيان تشمل أنواعاً عدة مختلفة Multiple Food Allergies. والمصابون بمثل هذا النوع الأخير يمثلون ثلث نسبة المصابين بحساسية الطعام؛ ما يعني أن الأطفال يجب عليهم تلافي الكثير من أنواع الطعام.- حساسية الطعاممن المعروف أن حساسية الطعام تؤثر على الأطفال بشكل أكبر من البالغين، ربما لأن البالغين بشكل أو بآخر تناولوا الأطعمة التي تحتوي على المادة الأساسية المسببة للحساسية لهم عبر الزمن. وفي الولايات المتحدة فقط تراوح نسبة الأطفال الذين يعانون من حساسية الطعام تجاه نوع معين أو أنواع عدة من الغذاء، بين 4 و6 في المائة. وتبدأ الحالة من الطفولة المبكرة، وفي بعض الأحيان في السنة الأولى من عمر الطفل، وقد نشرت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال دراسة تفيد بأنه يجب أن يتم إعطاء الأطعمة الصلبة للأطفال في وقت مبكر جداً من حياة الرضع؛ حتى يتم تفادي حدوث حساسية الطعام، مع تأكيدها على ضرورة الالتزام بالرضاعة الطبيعية، وبخاصة في الأطفال الذين يوجد لديهم مُعامِل خطورة من الإصابة، مثل تاريخ مرضي سابق في العائلة.أحدث دراسة تناولت مرض حساسية الطعام المتعدد ونشرت في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي في مجلة «لانست للجهاز الهضمي والكبد»، Lancet Gastroenterology & Hepatology واسعة الانتشار، وقام بها باحثون من كلية الطب بجامعة استنافورد Stanford University School of Medicine بالولايات المتحدة، أظهرت نتائج مبشرة في التجارب الإكلينيكية التي تم إجراؤها على الأطفال والتي ربما تساعد في العلاج لاحقاً، حيث إنه لا يوجد علاج شافٍ حتى الآن، وهو ما دفع الفريق البحثي لمزج علاج الأزمة الصدرية (الربو) مع علاج مناعي آخر، حيث تم تعريض الأطفال لجرعات صغيرة متزايدة من أنواع الطعام المختلفة والتي يوجد فيها طعام يحتوي على مسبب للحساسية allergen وهذه الطريقة التي تقلل التفاعلات المناعية في الجسم تمت تجربتها مع الدواء واستخدم هذا الخليط على 48 طفلاً يعانون جميعاً من الحساسية من أنواع عدة من الطعام.وكان الباحثون قد قاموا بإجراء الطريقة الجديدة، وهي تقديم عقار الربو مع جرعات الطعام، على فريق عشوائي من الأطفال الذين يعانون من حساسية أطعمة مختلفة، مثل البيض واللبن والفول الصويا، والسمسم والفول السوداني، وبعض أنواع المكسرات، مثل اللوز وعين الجمل والكاجو. وفي المقابل تم تجربة «عقار وهمي» للفريق الآخر. وهؤلاء الأطفال كانوا في مراحل عمرية مختلفة من بداية الطفولة وحتى المراهقة وتراوحت أعمارهم بين 4 و15 عاماً.- عقار وطعاموفى البداية، تم إعطاء عقار الربو «أوماليزوماب omalizumab» فقط و«العقار الوهمي placebo» بمفردهما من دون إدخال الأطعمة الأخرى لمدة 8 أسابيع، ثم تم استخدام العقارين (الحقيقي والوهمي) مع الأطعمة الأخرى بمعدل من 2 إلى 5 أطعمة مختلفة معروف عنها أنها من مسببات الحساسية على جرعات صغيرة لمدة 8 أسابيع أخرى، وفي النهاية تم إيقاف الأدوية واستخدمت الأطعمة فقط لمدة 20 أسبوعاً آخر.وقد وجد الباحثون أن نسبة 83 في المائة من الأطفال الذين استخدموا عقار الأزمة الصدرية كانوا قادرين على تحمل جرعات صغيرة من اثنين من أنواع الطعام المسبب للحساسية، في مقابل 33 في المائة من المجموعة التي استخدمت العقار الوهمي، كما لاحظ الباحثون تحسناً ملحوظاً وفاعلاً في الأطفال الذين تم علاجهم بعقار الربو والطعام المسبب للحساسية، فضلاً عن ارتفاع نسبة الأمان في العلاج بمعنى أنه لم تحدث مضاعفات أو ظهور أعراض بسيطة، مثل احمرار الجلد أو الحكة، وأن إضافة العقار كانت هي المسؤولة عن عامل الأمان في الأطفال، كما ساهمت في سرعة تحسن الحالة، حيث إن الأطفال الذين تم علاجهم بالعقار الوهمي تعرضوا لأعراض في الجهاز الهضمي ومشكلات في التنفس.وأشار الباحثون إلى أن هذه الدراسة اختلفت عن بقية الدراسات السابقة التي نصحت بإمكانية أن يتم تقديم جرعات صغيرة من الأغذية حتى يتم الاعتياد عليها في تجربة الخليط بين العلاج الكيميائي المتمثل في دواء الربو والعلاج المناعي المعتاد لجميع الأمراض التي تدخل فيها مسببات الحساسية، وهو التدرج في ما يمكن وصفه بـ«تدريب» الجهاز المناعي على الشيء المسبب للحساسية، سواء كان هذا الشيء طعاماً، أو حبوب لقاح، أو حتى نوعية من الملابس.وأوضح الباحثون أن الأمر بالطبع يحتاج إلى المزيد من الدراسات على عدد أكبر من الأطفال، لكن هناك أملاً أن يسهم العلاج الجديد في تحسن الحالة الصحية، وكذلك النفسية للأطفال وذويهم، وتمكن الأطفال من الانغماس في نشاطات اجتماعية أكثر، حيث إن تناول الطعام المشترك مع الأصدقاء يعتبر من الأمور التي تنمي أواصر العلاقات الاجتماعية، فضلاً عن أن وجود مائدة خاصة بأنواع الأطعمة التي تخلو من مسببات الحساسية يزيد من إحساس الطفل بأنه يعاني من مرض معين.- استشاري طب الأطفال
مشاركة :