الفيلم الذي يتحدى محرّمات الحرب الأهلية اللبنانية

  • 12/22/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك في أن فيلم اللبناني زياد دويري الرابع «ملف القضية 23» - أو «الإهانة» - خرج من العام المنقضي 2017 بوصفه الفيلم العربي الذي أثار المقدار الأكبر من النقاش إلى جانب كونه واحداً من الأفلام اللبنانية الجادة والجيدة النادرة التي عرضت هذا العام على رغم الصخب، التلفزيوني لا أكثر، الذي صاحب عروض أفلام حملت هوية لبنانية لكن هويتها السينمائية بدت معدومة. وحده زياد دويري إذاً، أعطى السينما اللبنانية فيلماً قيّماً من المؤسف أن معظم السجالات التي دارت من حوله في الأوساط اللبنانية، كما في بعض الأوساط الفلسطينية، ذات القبضات المرفوعة باستمرار وغالباً في شكل سمج ولا علاقة له بالسينما نفسها. ونعرف الآن أن كل تلك السجالات لم تكن لها أية أصداء في عروض الفيلم المحلية والخارجية حيث حقق في كل مكان عُرض فيه نجاحات إستثنائية وتقديراً فنياً عالياً. ولئن كان آخر علامات هذا التقدير تفرد الفيلم، كما جاء في العديد من التقارير الصحافية أخيراً، بتقدمه، دون أي فيلم عربي آخر للترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، فإن استمرار عروض الفيلم ولا سيما حيث ثمة جمهور لبناني أو عربي، يواصل فتح النقاش من حوله في شكل غير مسبوق، وهذا ما حدث أخيراً في مونتريال الكندية حيث عُرض الفيلم محققاً نجاحاً نقدياً وجماهيرياً ومثيراً كالعادة شتى ضروب السجالات. وكالعادة معظمها يأتي من خارج السياق!   شرخ ما... إذاً، بدعوة من «الجمعية الكندية اللبنانية» شهد الفيلم اللبناني «الإهانة» - أو «القضية رقم 23» - بعد عرضه خلال الفترة السابقة في أكثر من صالة في مونتريال بمقاطعة كيبيك الكندية حيث يكثر المهاجرون اللبنانيون والعرب، إقبالاً كبيراً تفاوت الحضور فيه بين كثرة لافتة من اللبنانيين ومحدودية في أعداد الفلسطينيين والكنديين الذين تمكن من اجتذابهم. وربما أتى هذا التفاوت ناجماً عن قناعات مسبقة حيال أعمال المخرج زياد الدويري (سينمائي أميركي فرنسي لبناني) المثيرة للجدل والتي تتمحور بغالبيتها حول قضايا تعتبر خلافية في شكل أو آخر على الساحتين اللبنانية والفلسطينية. ومنذ البداية هنا لا بد من التأكيد أن فيلم دويري الروائي الطويل الرابع هذا فيلم لبناني بنكهة فلسطينية. لكنه قبل هذا، عمل درامي بامتياز(113 دقيقة ). وهو ناطق باللغتين العربية والفرنسية، ومن بطولة عادل كرم (في دور طوني، ميكانيكي مسيحي يميني من بلدة الدامور) وكامل الباشا( ياسر، وهو عامل بناء مسلم فلسطيني مقيم في أحد أحياء بيروت) ودياموند بو عبود وريتا حايك. يبدأ الفيلم كما بات معروفاً لعشرات الألوف من مشاهديه كما من متابعي ما كتب عنه بكثافة في الصحف، بمشادة عنيفة بين طوني وياسر حول قصة خلاف شخصي عابر، يتطور سريعاً إلى قضية رأي عام. ويقود هذا الرجلين إلى مواجهة أمام المحاكم، وإلى إثارة موجة من الانقسامات والنزاعات الطائفية بين اللبنانيين والفلسطينيين. وفيما تنكأ وقائع المحاكمة جراح الخصمين، يعود كل منهما إلى رشده، ويعترف بأنه مغلوب على أمره، وأنه أسير نزاع عبثي لم يولّد سوى الشرّ ومآسي العنف والقتل والتشريد والتدمير. وللتو تكشف الشاشة عن مشهد ملحمي إنساني مؤثّر، يؤكد العيش المشترك، وتصافي القلوب والنفوس، ويطوي صفحات الماضي الأليمة، وينبئ عن مصالحة تاريخية لا غلبة فيها لفريق على آخر. في مثل هذه الانعطافية اللافتة التي تختلط فيها الأبعاد الدرامية بالنوازع السوسيولوجية والنفسية والطائفية، كان الحضور اللبناني، بغالبيته في الصالات وردود الفعل الكندية، متعاطفاً ومجمعاً على الخيار التصالحي الذي اتخذه فريقا النزاع. وكان منحازاً إلى جرأة الفيلم لكشفه حقيقة الأطراف السياسية التي تحاول استغلال الأزمات الاجتماعية وتحويلها إلى مطيّة لمصالحها. كما تميّز الفيلم بحبكة درامية عاطفية حبست أنفاس العديد من المشاهدين(بخاصة لدى بعض النساء). وكان ثمة كثر من هؤلاء المشاهدين أرجعتهم بعض اللقطات المؤلمة إلى ذكريات الحرب الأهلية. أما بعض المشاهدين من أبناء الجالية الفلسطينية، فقد أبدى امتعاضه مما اعتبروه «انحياز» المخرج إلى اليمين اللبناني و «عدوانيته» تجاه الشعب الفلسطيني.   إشادات كندية وفي المقابل ضمن إطار ردود الفعل الصحافية والنقدية، أثنى نقاد كنديون كثر على ما اعتبروه «ذكاء المخرج»، و «نضجه السينمائي»، و «رؤيته الموضوعية»، و «جرأته في تناول المسائل الخلافية وتداعياتهاعلى المستويات الاجتماعية والسياسية والفنية». كما أثنى الكثير من النقاد على كون المخرج قد اختار اللجوء، كسابقة سينمائية، إلى إدخال الأطراف المتنازعة أمام المحاكم لتنتهي قضاياها الخلافية إلى مصالحات وطنية، تماماً كمحاكاة الفيلم للخصمين (طوني وياسر) الآتيين من خلفيتين مختلفتين اجتماعياً ودينياً وشكلا في نهاية الأمر وجهين لعملة واحدة. ورأى فيليب ديبوا الناقد الفني في مجلة «ناو-Now»، أن «الدويري باحث سينمائي يتلمّس المتاعب الشائكة، وتستهويه المسائل الدرامية الجدلية» ويضيف «أن الفيلم لا يطرح مسألة محسومة سلفاً بل يدفع إلى التفكير والتأمل والالتزام بالقضايا الوطنية والإنسانية العادلة». لافتاً إلى أنه على رغم جدية هذه المسائل وكونها مسائل شائكة «لا شك في أن الفيلم يتضمن جرعات وافرة من الأمل والمشاهد التي لا تخلو من الطرافة».

مشاركة :