ترامب وتحولات السياسة الأميركية تجاه القدس

  • 12/22/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، والاستعداد لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، تحولاً نوعياً بالنسبة إلى الرمزية الدينية للقدس، فضلاً عن كونها مدينة فلسطينية محتلة من قبل إسرائيل وفق قرارات الأمم المتحدة. وبرزت بعد إعلان ترامب الأخير ضرورة معرفة الانعطافات السياسية إزاء قضية القدس منذ احتلال الجزء الشرقي منها في 5 حزيران (يونيو) 1967. في هذا السياق حدد الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون بعد أسبوع من وقف إطلاق النار في حزيران 1967، مشروعاً بخصوص الموقف المشتعل في المنطقة، يتبين منه أن الولايات المتحدة ترفض عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل الخامس حزيران، فالمكاسب الإقليمية من جراء الحرب لا يمكن التخلي عنها. ولم ينته الأمر هنا، فقد أصدرت الأمم المتحدة القرارين 2253 و2254 في 14-7-1967 اللذين يطالبان إسرائيل بالتوقف عن أي إجراء يغيّر وضع مدينة القدس، وإلغاء جميع ما قامت به من إجراءات، وامتنع سفير الولايات المتحدة في المنظمة عن التصويت عليهما. مع مجيئه إلى رئاسة الولايات المتحدة في 1968، قدّم الرئيس ريتشارد نيكسون مبادرة بدت أكثر تعاوناً مع الجانب العربي عن سابقه ليندون جونسون، فقد شملت تعديلاتٍ على ما يتعلق بقضية القدس، منها عدم الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وعدم نقل السفارة الأميركية إليها. وبقيت الولايات المتحدة تعتبر القدس منطقة محتلة خلال الفترة بين 1970 و1971، وأكد ذلك جورج بوش الأب الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة في 25-9-1971، ثم جاءت فترة الرئيس جيمي كارتر الذي نشط في إبرام اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. ولم يتمكّن الرئيس المصري في حينه، أنور السادات، من الوصول مع إسرائيل إلى حل بخصوص قضية القدس. واللافت أن موقف إدارة كارتر اتصفت بالثبات في شأن هذه القضية، وأكد فصل القدس عن بقية الأراضي المحتلة، والتعامل معها على نحو منفصل وضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة لجميع السكان، بغض النظر عن طوائفهم الدينية. ويمكن الجزم بأن إدارة الرئيس ريغان كانت الأكثر تحيزاً لمصلحة إسرائيل، حيث أصدر عدة بيانات أكد فيها أن القدس عاصمة إسرائيل، وأنه يجب أن تبقى دائماً تحت السيادة الإسرائيلية، وأصر ريغان في خطابه في 5-9-1982 على معارضة إقامة دولة فلسطينية، وقال: «لا دولة فلسطينية في الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة» .أما الرئيس اللاحق، جورج بوش الأب، فشهدت فترته خلافاتٍ في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كان سببها تشدد الأخيرة بخصوص القدس، ورغبة الإدارة الأميركية في إيجاد حل تفاوضي بخصوصها، لكن هذا لم يمنع الكونغرس من إصدار قرار في الأثناء، وتحديداً في 22-3-1990، نص على بقاء القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. وجمّد الرئيس بوش صرف ضمانات قروض للحكومة الإسرائيلية بقيمة 400 مليون دولار، وربط صرفها بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة عام 1967. وانتقد هذه النقطة المرشح بيل كلينتون في حملته الانتخابية منافساً لبوش، كما تضمن برنامجه الانتخابي التأكيد على أن القدس هي العاصمة الموحدة الأبدية لإسرائيل. ولدعم هذا التوجه، وافقت إدارته، في ما بعد، على نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، شرط ألا يكون ذلك قبل 1999، العام الذي كان سيفضي إلى إقامة دولة فلسطينية من خلال مفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وبحيث يرتبط ذلك بمفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، والاتفاق على مستقبل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة. وتمّ الحديث مراراً، أثناء إدارة جورج بوش الابن، عن ضرورة نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، لكن ذلك لم ينفذ، بل تمّ الاهتمام بإرسال وفود أمنية لدفع فكرة تمكين شروط التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وتحسينها، جنباً إلى جنب مع خطاب أميركي، كان يؤكد أن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل. واللافت أن إدارة أوباما، تالياً، كانت الأكثر إصراراً على ضرورة تجميد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، وليس تفكيك المستوطنات باعتبارها معالم احتلالية، مقدمة لدفع المفاوضات بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى الأمام، لكن إسرائيل أدارت ظهرها لتلك المطالب الأميركية. وثمة اعتقاد كبير بأن السبب الرئيسي لامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، في نهاية عهد أوباما، وتمرير إصدار قرار من مجلس الأمن، في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي 2016، يدين الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، هو امتعاض إدارة أوباما من سياسة حكومة نتانياهو، خصوصاً إزاء النشاط الاستيطاني الذي كان عقبة جوهرية أمام فرض تسويةٍ، غير متوازنة أصلاً، مع الفلسطينيين، ترعاها الولايات المتحدة. يبقى القول أن إعلان ترامب الأخير الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل والاستعداد لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، هو انحياز للمواقف الإسرائيلية وانعطاف خطير في السياسة الأميركية، بعد خطاب إعلامي أميركي دعا منذ اتفاقات أوسلو إلى حل قضية القدس وقضايا الوضع النهائي الأخرى عبر التفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.     * كاتب فلسطيني

مشاركة :