المجتمعات العربية في حاجة إلى تشريح جريء لأزماتها وعقدها بقلم: نجوى درديري

  • 12/22/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

المجتمعات العربية في حاجة إلى تشريح جريء لأزماتها وعقدها رغم ما يشكله المنتج الفني الجديد الذي يظهر للمجتمع، خصوصا إذا كان في علاقة بالدين والسياسة، من قضية مثيرة للجدل لدى العديد من الشعوب العربية، فإن منتجي الكثير من الأعمال الفنية يفضلون أحيانا عدم إخراجها للضوء منعا لإثارة الجدل. هذا الأسلوب سار فيه العديد من الكتاب والفنانين العرب، تقف “العرب” في لقاء مع واحد منهم وهو الكاتب المصري مدحت العدل الذي حاول أن يطلع جمهوره على هذا المثلث المتشابك في بناء كافة أعماله من أجل تشريح المجتمع وتأريخ تغيراته إيمانا بأن الفن هو القوة الناعمة لمواجهة أزمات المجتمع.العرب نجوى درديري [نُشر في 2017/12/22، العدد: 10850، ص(12)]شبرا مصر.. حكاية مصر المتسامحة القاهرة – نجح الكاتب والسيناريست مدحت العدل من خلال أعماله في أن يتقن دور الجراح الذي عمل على تشريح المجتمع المصري، وخلق جسرا من حرير لقبول المتلقي بما يطرحه بلا صخب. وكّونت تيمة القضايا المجتمعية الهامة والحساسة وعلاقتها بالدين جزءا من الأعمال الفنية التي شارك فيها العدل في محاولة لفهم ما يحدث من تحولات في المجتمع المصري، والعربي بشكل عام. ويقول العدل، في حواره مع "العرب"، إنه أراد من أعماله أن يناقش قضايا حساسة مرتبطة بالتطرف الديني غير المبرر، وفي أغلب أعماله لا يتحدث فقط للمواطن العادي، إنما يرغب في تغير نظرة أصحاب العقول الظلامية في محاولة لإرشادهم إلى الطريق الصحيح. شبرا مصر شكلت أعمال مدحت العدل، سواء كانت أعمالا درامية أو سينمائية أو شعرا، الوتيرة نفسها لتبني المشكلات المجتمعية الإنسانية. فاختار حي شبرا في القاهرة الذي ولد وترعرع فيه مركزا للتعبير عن أفكاره المتحررة، وحمل الحي المشهور بكثافته السكانية، خليطا من كافة أطياف الشعب باختلاف دياناتهم وأفكارهم، وربما شكل جزءا هاما من مصر عبر عن هوّيتها وألهب مشاعر الكثير من الكتّاب وشاءت الظروف أن يكونوا من مواليده وعاشوا فيه سنوات طويلة. ويلوح تأثر العدل بالحي الذي عاش فيه جليا في ديوانه “شبرا مصر” والذي طُبع للمرة الخامسة منذ نشره للمرة الأولى في يناير من العام الحالي، وكتب فيه العدل عن كل من قابلهم وأثروا فيه وشكلوا وجدانه وتركوا أثرا عميقا في روحه. وعن ذلك يقول العدل، وهو من مواليد عام 1955، لـ”العرب” “ابنتي هي صاحبة فكرة الديوان، كنت أقرأ لها قصيدة عن الخادمة مرزوقة، ولما أعجبتها طلبت مني أن أكتب عن الشخصيات الحقيقية التي أعرفها”. ويضيف “على الفور شرعت في كتابة ديوان شبرا مصر. ذلك الحي الذي عشت فيه منذ أن كان عمري خمسة أعوام، حينما انتقل أبي من المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية في دلتا مصر، إلى القاهرة وتحديدا حي شبرا”.مدحت العدل في أغلب أعماله لا يتحدث فقط للمواطن العادي، إنما يرغب في تغير نظرة أصحاب العقول الظلامية في محاولة لإرشادهم إلى الطريق الصحيح ويشير الكاتب المصري إلى أن حي شبرا هو عيّنة مصغرة من مصر، ذلك الحي الذي عاشت فيه جميع الأديان من المسلمين والمسيحيين واليهود إضافة إلى جنسيات أخرى من إيطاليين ويونانيين معا. الجميع كان يعيش تحت سقف واحد في سلام وود، لافتا إلى أنهم كانوا الأسرة المسلمة الوحيدة التي تعيش في بناية سكنية وباقي السكان من اليهود والمسيحيين. ويوضح العدل في إجابة عن سؤال لـ”العرب” حول ديوانه “شبرا مصر”، أن “الديوان كان تشريحا للمجتمع على مراحل عمرية عاشها في هذا الحي، ومن خلال شخصيات مرت عليه وتعايش معها وتحلت من مجرد شخصيات إلى قضايا عامة تمس المجتمع بأكمله”. وكتب العدل في ديوانه عن أولغا اليونانية وعبده الميكانيكي ومعلمته سعاد وعم محمد بائع الفول المدمس، وغيرهم فيقول “هذا الديوان هو بمثابة إسقاط لما كانت مصر عليه وعلى التحولات المجتمعية التي حدثت لها، وكيفية دمج المجتمع للآخر دون اصطناع”. ويشرح الكاتب المصري هذا الآخر بقوله “هذا الآخر كان جزءا في النسيج المجتمعي وجزءا من الكل. الأجنبي يصبح مصريا في وقت قصير”. ويؤكد لـ”العرب” أنه “كان في البناية الواحدة يعيش ميكانيكي سيارات بسيط مع جاره ذو المكانة الاجتماعية المرموقة، أما الآن فإننا نلفظ بعضنا البعض، ونعيش في جزر منعزلة وذلك بفضل الأفكار التي امتصها المجتمع خلال العهود الماضية والواردة إليه من الخارج، وكل ذلك خلق تطرفا في الفكر ومن ثم خرج علينا كيان باسم الإرهاب”.مسلسل "حارة اليهود" يجمع الديانات الثلاث على نفس الخط، سار العدل في مسلسل “حارة اليهود”، الذي تدور أحداثه في فترة حرب فلسطين عام 1948، وكيف كانت مصر سياسيا واجتماعيا، وكيف كانت جميع الأديان السماوية تتعايش في سلام، من خلال قصص إنسانية تدور بين الشخصيات، وقصة حب بين ضابط الجيش والفتاة اليهودية. وحول رؤيته لهذا العمل والرسالة التي أراد إيصالها للناس، يقول العدل لـ”العرب” “حينما يلفظ المجتمع الآخر ويرفض التعايش معه ويكفره هنا تصبح المشكلة. أردت من خلال فكرة المسلسل ومن خلال أحداث دارت في الأربعينات من القرن الماضي إسقاطها على ما وصلنا إليه اليوم من إرهاب وتطرف”. ويشير إلى أنه فعل نفس الشيء في مسلسل “الداعية”، حيث أراد أن يلقي ضوءا ساطعا على ما يحدث في المجتمع من تحول ديني وكيف تدار اللعبة باسم الدين والتأثير بشكل سلبي على عقول الشباب وعمليات غسيل المخ التي تتم لهم، من خلال شاب وسيم يظهر على الفضائيات وينال شهرة كبيرة من خلال تقديمه لبرنامج ديني، وكان يحرّم الموسيقى ثم يحب فتاة تعزف على آلة الكمان. ويقول “خاطبت من هذا المسلسل العقول الظلامية التي تنشر في المجتمع أفكار الكراهية تجاه الفن وتكفر أصحابه”. قضايا مثيرة أثارت قصة مسلسل “لأعلى سعر”، الذي قام بتأليفه مدحت العدل وعُرض في مصر خلال شهر رمضان الماضي، جدلا واسعا بعد أن تناولت قصته خيانة البشر لبعضهم البعض، ومدى تحول المجتمع المصري في السنوات القليلة الماضية. ويفسّر مدحت العدل ذلك بقوله “قمت بإبراز صور من المجتمع وكيف تغيرت على مدار العقود الماضية، فهناك علاقة الأم بأبنائها وكيف أن عملها جعلها تخسرهم وتخسر زوجها أيضا وجعلها شخصية جامدة في مشاعرها، وكيف أن الصديقة تخون صديقتها وتخطف زوجها منها”.لأعلى سعر طرح سيطرة المادة والرغبة في الغنى الفاحش على المجتمع ويوضح أنه في هذا المسلسل تم طرح فكرة سيطرة المادة والرغبة في الغنى الفاحش على المجتمع.وبدا الكاتب المصري متأثرا حد الذوبان بفكرة تشريح المجتمع وإبراز مشكلاته وإظهارها للناس ومحاولة طرح حلول لها، وهو ما يعكسه استعداده لتقديم برنامج بعنوان “رصيف نمرة خمسة” في أوائل يناير القادم، وفيه سيلقي الضوء على قضايا المجتمع، فينتقل بحسب ما يقول لـ”العرب” “من قضية خاصة إلى قضية عامة تمس قطاعا كبيرا من المجتمع”. وليست تلك تجربته الأولى في تقديم البرامج التي تخاطب المجتمع وجدانيا، ففي العام 2014 قدم برنامجا بعنوان “أنت حر” على الفضائية المصرية “سي بي سي”، وكان يبحث في الظواهر الدينية التي ارتبطت بالمجتمع المصري على مر فترات طويلة، وأدت إلى الانحدار الثقافي والفكري. وقدم العدل من خلال البرنامج أفكارا مرتبطة بالدين دون الدخول في تفاصيل فقهية معقدة، مثل تحريم أداء تحية العلم والنشيد الوطني، كما تطرق إلى العديد من الأفكار “السوداوية” التي رسخها حكم الإخوان لمصر خلال العام 2012، وحاول من خلال برنامجه أن يجد طريقة لتنوير الشعب الذي ضللته تلك الفتاوى وتسببت في تمزيقه. ويؤكد الكاتب المصري على أن الرصيف هو المجتمع بكل ألوانه وأطيافه المتعددة، فالجميع يمر من هذا المكان وربما كان له موقف أو عدة مواقف عند هذه المساحة من الأرض، واختيار العدل لاسم رصيف نمرة خمسة بدا مدروسا لارتباطه باسم أول أغنية قام بتأليفها لعمرو دياب في أول فيلم كتبه وهو “آيس كريم في جليم". ويختم العدل حواره بالحديث عن تطلعاته لما سيقدمه لجمهوره في برنامجه الجديد، فيقول “سأطرح من خلاله جل القضايا التي تشغل بال المجتمع دينيّا واقتصاديا وثقافيا وغيرها، وسيكون من بين الضيوف مواطن عادي يطرح وجهة نظره، وكذلك سيكون هناك عالم أزهي أو متخصص في علم النفس”. ويؤكد أنه أنه لن يخشى من غضب الحكومة طالما أنه سيعرض الأمر بشكل يوضح القضية بدقة ودون تحريض أو معارضة تهدف إلى الهدم وليس البناء.

مشاركة :