"ناجمن".. أرجوك سامحينا

  • 9/30/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في فترة ما، سافر والدي يحفظه الله للعلاج خارج المملكة، وسلم إحدى أخواتي مسؤولية دفع رواتب العاملات والعاملين في المنزل، كان وما زال والدي رغم كل ما يعانيه من أمراض شتى، هو ذاك الرجل النبيل الذي يؤمن بأنه لا يمكن لهُ أن يستقطع من راتب أي عامل، مهما أخطأ سواء أكان هذا الخطأ جراء حادث سيارة، أو كسر شيء ما ثمين في البيت، أو أن يطلب أحدهم مثلاً مقدماً من راتبه، إما لزواج أحد أبنائه أو دفع تكاليف علاج زوجته، كان يدرك والدي الشيخ ذو الثمانين عاماً، أن المبالغ التي تدفع لرواتب هؤلاء العاملين، ما هي إلا مئات من الريالات، وبما أن الله قد وسع في رزقه، فلم يكن أبداً يبخل عليهم في مدّ يد العون لهم، حتى إنني لم أكن أنسى وأنا صغيرة، كيف كان يأخذ العاملين في أحضانه، حينما يعودون من إجازاتهم، وكأنهم من أفراد أسرته الكبيرة. لكن أختي نظراً لصغر سنها، لم تدرك حكمة الوالد، والهدف الذي كان ينظر إليه مستقبلاً، وهو أن يحدث صورة مغايرة لدى هؤلاء العاملين، وقد كانوا من جنسيات مختلفة، كان يحرص أشد الحرص أن يكون صورة واقعية لمفهوم وقيم أخلاق ديننا الإسلامي الحنيف، وعلى الأخص أن العاملين لدينا في البيت، كان معظمهم على غير ملتنا ومذهبنا. وبعد فترة لاحظنا مدى ضجر وتأفف بعض العاملين، وحينما تم سؤالهم أخبروننا بأنها المرة الأولى التي تتأخر فيها رواتبهم لأكثر من ثلاثة أيام، وفي سؤالنا لمسؤولة الرواتب والتي هي أختي، قالت: وما الأمر إذا تأخرت رواتبهم يوماً أو يومين، ففي المدرسة التي أعمل بها، هناك بعض المعلمات لا يعطين رواتب خادماتهن إلا قبيل سفرهم النهائي! الأمر بدا لنا جميعاً دون استثناء، أمراً لا يمكن السكوت عنه، بل بدا مخيفاً ولافتاً، وجلياً ألا يوافق أي أحد من أسرتي على هذه الفكرة التي نحن أسمى من أن نأكل حقوق العاملين ولو لبضعة أيام، ولكن الأخت أخبرتنا بهدوء، بأن هذه الطريقة تجعل من العاملين، يعملون بجد أكثر! الفكرة السيئة التي اعتقدت أختي بأنها ستعجبنا، جعلتنا نقرر تماماً، أن نأخذ منها ذلك الحق الذي لا يرضي أخلاقنا وقيمنا الإسلامية، وقد كانت متأثرة حتى هذه اللحظة، بأن الفكرة لم ترق لنا، بالتأكيد كيف تروق لنا، والعاملون يجدوننا نذهب لنتسوق ونتبضع ونشتري أفخم وأغلى ما يخصنا، في حين أننا نتأخر عليهم في سداد رواتبهم الشهرية. تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ قبل أيام، ما حدث من قصة مؤسفة ومؤلمة، للخادمة السريلانكية سيئة الحظ كما أطلقت عليها الصحف "ناجمن بي"، حيث تقول صحيفة "عرب نيوز"، إن كل ملابسات القصة وأحداثها تشبه الأفلام التراجيدية، حيث قدمت "ناجمن" إلى المملكة في 1998، ومنذ ذلك التاريخ فقدت أي اتصال بأسرتها، وقد انتهت صلاحية تأشيرتها التي قدمت بها إلى المملكة، وأيضاً صلاحية جواز سفرها منذ وقت طويل، وعلى الرغم من ذلك استمرت في العمل مع عائلة سعودية كفلتها، ولكن دون أن تدفع أي أجر لها لستة عشر عاما. وفي انقلاب غريب للأحداث، التأم شملها مع ابنها وشقيقها الثلاثاء الماضي، ومن المفارقات الغريبة المدهشة أن كليهما يعملان في المملكة. فمنذ عام 2002 بدأت أسرتها تبحث عنها وطوال هذه الفترة لم تدّخر أسرتها جهداً، وأخيراً لجأت إلى عرض قصتها في التلفزيون باللغة المحلية، ولكن لم تجدِ فتيلاً كل هذه المحاولات. وأخيراً وصلت القصة إلى خادمة سريلانكية تعمل في الرياض، فأحاطت بجميع تفاصيل محنة "ناجمن" وعندما عادت إلى سيرلانكا، أخبرت أحد الأشخاص في تاميل نادو عما تعرفه عن "ناجمن"، فبدأت الأخبار تنتشر، وأخيراً وصلت إلى أسرتها التي عرفت بوجودها في الرياض، فكثّف أخوها وابنها الذي شبّ عن الطوق البحث، إلى أن تمكّنا من الوصول إليها وكفيلها، فالتأم شملهم. وقد اكتشفا- الابن والأخ- أن كفيلها لم يدفع لها راتباً طوال الستة عشر عاما الماضية، بحيث بلغت رواتبها المعلقة 92 ألف ريال، فقاما بتبليغ الشرطة. وكان شقيقها نذير يعمل في الرياض، وابنها سليم أيضاً الذي بلغ 17 عاماً يعمل سائقا مع أسرة في الرياض، وعندما تحقّقا من موقعها تقدما بشكوى إلى الشرطة بمساندة السفارة السريلانكية في الرياض، فقامت الشرطة باستدعاء كفيلها السعودي إلى مركز الشرطة. وكانت "ناجمن" قد جاءت لتعمل كخادمة براتب شهري قدره 400 ريال، ولكن طوال هذه الفترة منذ فبراير 1998 لم يدفع لها كفيلها سوى راتب شهرين، لكن بعد إبلاغ الشرطة وافق كفيلها على أن يدفع لها كل المبلغ (92 ألف ريال)، ووعد بإحضار 10 آلاف ريال، وأن يدفع لها ما تبقى خلال الشهرين المقبلين. وأثناء عمل "ناجمن" في المملكة، لم تكن تعرف أن ابنها الأكبر عارف، قد توفي منذ وقت بعيد، وأن بناتها قد تزوجن، وأنها أصبحت جدة، وفوجئت أيضاً بأن ابنها الأصغر سليم أصبح أباً لثلاثة أطفال، وحالياً تعيش "ناجمن" مع شقيقها نذير في الرياض، لحين إكمال إجراءات سفرها واستلام حقوقها. وإنني من خلال هذا المقال، أتمنى أن يقوم أحد المحامين برفع قضية لمعاقبة الكفيل، ودفع ضعف المبلغ لأسرة هذه الطيبة المسلمة، التي جاءت لتكتشف أنها مجرد "سخرة" لهذا الكفيل عديم القلب والمشاعر، وأتمنى جداً ألا يمر مثل هذا التصرف اللاإنساني مرور الكرام، وأن على المسؤولين أن يقفوا لمثل هذا المواطن الذي لا يمثل إلا نفسه، موقفاً قوياً وصارماً، ليكون عظة وعبرة لمن يعتبر!

مشاركة :