«اضطراب التجسيد».. مرض نفسي له أعراض بدنية

  • 12/24/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يشكو بعض الأشخاص آلاماً مبرحة تظهر في عدد من أعضاء الجسم، وتجعل المريض يتردد على الكثير من الأطباء؛ بل إن الأمر يمكن أن يتجاوز ذلك إلى إجراء عملية جراحية؛ لاستئصال مصدر الألم، وفي النهاية يكتشف أنه لا يشكو من علة جسدية، وأن الأمر لا يعدو أن يكون اعتلالاً نفسياً، يجعل المريض يعبر عن ضغوطه وآلامه على صورة أوجاع بدنية؛ لأنه لم يتعود على التعبير عما يدور داخل نفسه؛ بل إنه تعود على أن يجسّد تلك الآلام والضغوط في صورة أوجاع جسدية، إن هذه الحالة السابقة تُسمى مرض «اضطراب التجسيد»، وهذه المشكلة تتمثل في عدد من الشكاوى البدنية المتعددة من قبل المريض، ولا يكون لهذه الشكاوى أي سبب عضوي، إلا أنها ترتبط بالأزمات النفسية والاجتماعية، وتستمر هذه الشكاوى الجسمية عدة سنوات، كما أنها تتضمن 13 عرضاً مرضياً على الأقل، ولا تكون ناتجة عن مرض جسدييصاحب مشكلة اضطراب التجسيد بصورة عامة بعض الأعراض، ومنها: القلق أو الاكتئاب، إضافة إلى السلوك المضاد للمجتمع، والمصاعب المهنية، والمشاكل الزوجية، وبعض الحالات تصاب بمشكلة الهلاوس السماعية، ويُعرّف الأطباء مرض اضطراب التجسيد أو الجسدنة بأنه عبارة عن أعراض جسدية متعددة، وتتكرر هذه الأعراض وتتعدد صورها باستمرار، وتظهر لمدة طويلة تتراوح من 6 أشهر وحتى 12 شهراً، قبل أن يكتشف المصاب أنها حالة نفسية، ويحال إلى الطبيب النفسي، «الصحة والطب» تناقش في السطور التالية مرض اضطراب التجسيد، والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، وطرق العلاج.مشاكل حقيقيةلا يدعي مريض اضطراب التجسيد أنه يعاني بعض الأعراض؛ لأن الألم والمشاكل الأخرى، التي يشعر بها تكون حقيقية، وليست مزيفة، ويمكن أن تكون ناجمة عن مشكلة طبية، إلا أنه لا يمكن العثور على سبب عضوي واضح لها، وتكمن مشكلة المريض الرئيسية في تفاعله مع الأعراض، وما يبديه من سلوكات، كما أن هذه الأعراض يمكن أن تتشعب وتتناوب في الظهور، وتربك المريض والطبيب، وبالتالي يضطر المريض إلى إجراء الفحوص في كل الاختصاصات، وإجراء تحاليل كثيرة لا طائل من ورائها، وهذه الأعراض غالباً ما تكون ناجمة عن القلق النفسي أو الاكتئاب أو الاثنين معاً، وفي بعض الحالات لا يظهر القلق والاكتئاب بوضوح، ويظن المريض ومعه الطبيب في كثير من الأحيان أن إجراء الفحوص والإكثار منها سوف يطمئن المريض، وهذا لا يحدث؛ لأنه غالباً ما تكون هذه الفحوص سليمة، إلا أن آلام المريض وشكواه تستمر، ويظل المريض غير قادر على أداء واجباته اليومية والاستمتاع بالحياة، ما يجعل هواجسه ومخاوفه تتفاقم وبحثه عن الحل يجعله يذهب في كل الاتجاهات، ومنها الاستعانة بالمشعوذين والوصفات الشعبية والعلاج الطبيعي، ويطرق كل الأبواب؛ من أجل التخلص من هذه الحالة التي تسبب له عدم راحة وانزعاج كبير.فرط الحساسيةيشعر الشخص المصاب باضطراب التجسيد بحالة من الارتباك؛ وذلك عندما يقرر الطبيب أن ما يتعرض له هذا المريض من أعراض هي حالة نفسيه، ولابد من استشارة الطبيب النفسي، فيظن المريض أن الطبيب لا يصدق شكواه، وأنه لا يتألم، والواقع أن المريض يتألم ويعاني، ومن الجائز أن تكون معاناته أكثر من معاناة الشخص المصاب بمرض عضوي؛ حيث يكون الشعور بالألم في الأساس داخل الدماغ، ولا غرابة أن يحدث الألم تبعاً للتغيرات والحالات النفسية التي يمر بها الإنسان، ولابد أن يتم توضيح هذه الحالة للمريض، وتعريفه أن المرض النفسي لا يعني فقدان العقل والسيطرة، وأن تكرار الفحوص وتأخير الاستشارة لا تغير إطلاقاً من الحقيقة؛ بل تزيد الأمر سوءاً، ولا يعرف الباحثون والأخصائيون سبباً مباشراً يقف وراء الإصابة بمشكلة اضطراب التجسيد، إلا أن هناك عوامل مساعدة تفسر لنا سبب الإصابة بهذه الحالة، ومنها: النظرة السلبية، وفرط الحساسية الجسدية والنفسية تجاه الألم والأحاسيس الأخرى، ووجود تاريخ عائلي أو تنشئة عائلية محرضة، كما رصد البعض عوامل جينية؛ حيث لوحظ انتشار المرض في التوائم المتماثلة، بينما يقل في التوائم غير المتماثلة، وبيّنت بعض الاختبارات العصبية النفسية وجود خلل في الفصين الدماغيين الأماميين عند بعض المرضى، وكذلك يمثل اضطراب التجسيد طريقاً لحل الصراعات النفسية الداخلية؛ حيث لوحظ ازدياد نسبة الإساءة الجنسية أو الإهمال في مراحل الطفولة، وتعد أعراض المرض وسيلة للتعبير عن الآلام النفسية، والإفصاح عن المشاعر، والبحث عن الرعاية والعناية، كما رصد الأطباء خللاً انتباهياً ومعرفياً ينتج عنه إدراك وتقويم خاطئ للأحاسيس، فترصد أعراض جسدية غير حقيقية.أربع مناطقتبدأ أعراض مشكلة اضطراب التجسيد في العادة في نهاية العقد الثاني من العمر، وتستمر فترات طويلة من الزمن، وتنعكس الأعراض سلباً بدرجات متفاوتة على الوظيفة الاجتماعية والمهنية والعائلية للمريض، ويشكو الشخص من أعراض ألم في 4 مناطق مختلفة من الجسم على الأقل، مثل: الرأس والظهر والأطراف والصدر، كما يشكو المصاب من عرض مرضي مصاحب للألم في القناة الهضمية كالانتفاخ أو الغثيان، كذلك يعاني عرضاً شبه عصبي مثل: الهلاوس السمعية أو رؤية مزدوجة أو تشنجات، ويتبين من الفحوص الطبية أن كل هذه الأعراض السابقة لا يمكن تفسيرها كحالة طبية عضوية معروفة، وليست تأثيراً لتعاطي مادة ما، ويلاحظ أن المريض يركز على الأعراض نفسها وعلى التأثير على صحته العامة، كما أنه يغير شكواه من طبيب لآخر، ويقوم خلال هذه الفترة بإجراء عدد كبير من الفحوص، ويبحث عن علاج طبي ولا يجده، ويكون عرضة لوسائل تدخل تشخيصية ودخول مستشفيات، ويمكن أن يصل الأمر إلى إجراء عمليات جراحية، وتعتمد إيجابية الأعراض على وجود 11 عرضاً من الأعراض السابقة المتعددة والمتغيرة، دون إسنادها إلى حالة طبية؛ وذلك لمدة 6 أشهر على الأقل، وتكون حقيقية دون ادعاء كما في بعض الأمراض المشابهة مثل التوهم المرضي، كما أنه يرفض التفسير النفسي للأعراض، ولا يقتنع بآراء عدة أطباء مختلفين.علاقة ثقةيعتمد العلاج على تخفيف حدة الأعراض والسيطرة عليها؛ وذلك من خلال إقامة علاقة جيدة بين مريض اضطراب التجسيد والطبيب المعالج تبنى على الثقة، ويجب أن تقتصر علاقة المريض على طبيب واحد؛ لأنه يساعد على تجنب عمل اختبارات وإجراءات لا لزوم لها، كما يجب أن يراجع الطبيب بانتظام في الأعراض، وكيفية التكيف معها، وتعد المعالجة السلوكية المعرفية أنجح الوسائل في معالجة هذا الاضطراب؛ حيث تخف حدة الأعراض على يد المعالج، ويتدرب المريض من خلالها على إيجاد وسائل تقلل من قلقه مما يتعرض له من آلام وأعراض مختلفة، وتكسبه طرقاً للتأقلم والتوقف عن التركيز على أعراضه الجسدية، كما أنها تجعله يحافظ على نشاطه ومشاركته الاجتماعية، حتى مع وجود الألم وهو ما يكون له مردود على تحسن أدائه في الحياة اليومية، ومن الممكن أن يتم وصف بعض مضادات الاكتئاب، التي تساعد على تخفيف حدة القلق والاكتئاب، ويمكن أن يتعرض مريض اضطراب التجسيد لمضاعفات محتملة في حالة إهمال العلاج؛ حيث يمكن أن يصاب المريض باضطراب الداء في الحياة اليومية، سواء في علاقاته الاجتماعية أو علاقات العمل، كما تتراجع معدلاته الصحية ويكون المريض معرضاً للإصابة بالاكتئاب والتعرض للانتحار، إلا أن الملاحظ في هذا المرض أن معدل الوفيات بسيط بين عامة الناس، كما تسيطر أعراض المرض على حياة المريض، الذي يعيش حياة معقدة وفوضوية، فهو ينتقل من طبيب لآخر، ويتعاطى الأدوية بشكل مفرط، ويمكن أن يصبح مدمناً لبعض هذه الأدوية. نسب وأرقام أشارت دراسة طبية حديثة إلى أن انتشار مشكلة اضطراب التجسيد يصل في التوائم المتماثلة إلى ما يزيد على 25% في الوقت الذي لا يتجاوز 8% في التوائم غير المتماثلة، ويعتبر هذا المرض أحد أكثر الأمراض النفسية الذي يجعل المريض يلجأ للذهاب للأطباء، حيث ذكرت دراسة أن ما لا يقل عن 4% من المرضى المراجعين لأطباء الرعاية الأولية مصابون بمرض اضطراب التجسيد، وأن هذا المرض الدافع للدخول في المستشفيات، ويصيب هذا المرض الشباب دون سن الثلاثين، وينتشر بين النساء أكثر منه في الرجال، حيث يصيب 0.5 إلى 1.5% من النساء وأقل من 0.8% في الرجال، ورصدت بعض الدراسات حدوث المرض في بعض الأسر بصورة مطردة، حيث بلغت نسبة انتشاره بين الإناث أقارب الدرجة الأولى للمرضى بنسبة 15 إلى 25%.

مشاركة :