المعاصي سبب زوال النعم وحلول النقم

  • 12/24/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

لا يجوز الالتفات إلى متبعي الشهوات الذين يدعون إلى المعاصي ويحسنونها، ويقللون من خطرها، كما في كتاباتهم وتغريداتهم ومقالاتهم، فإن هؤلاء لم ينفعوا أنفسهم، ولن ينفعوا غيرهم أخبرنا الله ورسوله أن المعاصي والذنوب سببٌ لزوال النعم، وحلول النقم، ومن أصدق من الله قيلا! ومن أحسن من الله حديثا! يقول تعالى مقررا هذه الحقيقة: (وكأيِّن من قرية عَتَت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خُسْرا)، وقال تعالى (فلما آسفونا - أي بالذنوب والمعاصي والمخالفة- انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين، فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين)، هذا الانتقام لكل من بارز الله بالعصيان، ولهذا قال تعالى (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين)، وقال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، وكما أن الطاعات سبب للنعم، فإن المعاصي تزيل النعم، وتأتي بنقيضها من الخوف والجوع، قال تعالى (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)، والله تعالى يملي لعباده لعلهم يتوبون ويرجعون، ولكن إذا تمادوا ونسوا ما ذُكِّروا به، سلط الله عليهم عقوبة مفاجئة، كما قال تعالى: (فلما نَسُوا ما ذُكِّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون)، ولا يصح أن تكون النعم والخيرات سببا للأمن من مكر الله، ومبارزته بالذنوب والعصيان، قال الله تعالى: (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون)، وبأس الله شديد، وهو قادر على إيقاعه متى شاء كيف شاء، فنعوذ بالله من سخطه، قال تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون)، وقد مزق الله سبأ كل ممزق بسبب ظلمهم، بعد أن كانوا آمنين، في رغد من العيش، يقال لهم: (كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور)، لكن لما عصوا وأعرضوا وظلموا، جعلهم الله أحاديث ومزقهم، وسلط عليهم سيل العرم، كما قال تعالى عنهم: (وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزقٍ إِن في ذلك لآيات لكل صبارٍ شكور)، وقال تعالى: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم). فالمأمول من كل مسلم أن يتقي الله، ويحذر الذنوب والمعاصي، مهما زينها الشيطان، فإن عاقبتها وخيمة، حتى أن العبد ليحرم الرزق في ماله وعمره وعلمه بسبب الذنوب، دليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، فالله يأخذ بالذنوب، هذه سنة الله في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا، قال تعالى: (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، وإذا كان ما تقدم من آيات كريمة هو كلام الله تعالى، فالواجب العمل بها، كل يعمل بذلك في نفسه وأسرته، ولا يجوز الالتفات إلى متبعي الشهوات الذين يدعون إلى المعاصي ويحسنونها، ويقللون من خطرها، كما في كتاباتهم وتغريداتهم ومقالاتهم، فإن هؤلاء لم ينفعوا أنفسهم، ولن ينفعوا غيرهم، قال تعالى: (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا إليهم ميلا عظيما)، وقال تعالى:(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)، ومن انفرط أمره خسر نفسه. يقول ابن القيم رحمه الله: (مما ينبغي أن يعلم، أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بد، وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟ فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح؟... وما الذي أغرق أهل الأرض حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟..وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وسبوا الذرية والنساء، وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه، وتبَّروا ما علوا تتبيرا؟. كل ذلك العذاب سببه الذنوب والمعاصي، والله يقص علينا القصص لنتعظ ونعتبر، ومن رحمة الله بنا أن أرسل إلينا رسولا، وأنزل لنا كتابا، وأعطانا عقولا واختيارا، فكلٌ مسؤول عن اختياره لنفسه، وكل امرئ بما كسب رهين، والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، فمن بارز الله بالمعاصي سينتقم الله منه، (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون).

مشاركة :