منتصر حمدان أجمعت قيادات ورجال دين مسيحيون على تمسكهم الكامل بالموقف الفلسطيني الرافض للقرار الأمريكي الأخير، الذي تمثل بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة ل «إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة، مشددين على حرصهم الكامل للتصدي لما اعتبروه مؤامرة تسعى لابتلاع القدس وتهويدها، وطمس معالمها الدينية والسياسية كعاصمة لدولة فلسطين.وشددت تلك القيادات على تمسكهم بحق المقاومة إلى جانب الشعب الفلسطيني، عبر اتحاد المسيحيين والمسلمين في فلسطين للدفاع عن القدس ومجابهة المخاطر التي تتعرض لها من قبل دولة الاحتلال «إسرائيل»، وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية.وقال راعي كنيسة اللاتين في قطاع غزة، الأب مانويل مسلم، ل «الخليج»: «القصة ليست قصة فلسطينية، لأن ترامب وجماعته يدفعوننا نحو الحرب الدينية، برغم أننا كفلسطينيين نؤكد أن حربنا مع «إسرائيل» ليست صراعاً دينياً، بل هي صراع تاريخي حضاري وجغرافي».وأضاف: «نحن كمسيحيي الشرق الأوسط نعلنها بوضوح إذا ما فرضت علينا الحرب الدينية التي لا نسعى إليها، فإننا سنكون بمثابة رأس حرب لمحاربة المسيحية الأوروبية والأمريكية، باعتبارنا جزءاً أساسياً من هذا الشعب الفلسطيني وليس كفئة دينية محشورة في الزاوية»، مشيراً إلى مجموعة من التوجهات التي تم إقرارها بالتنسيق مع بطاركة ورجال دين مسيحيين ومسلمين وشخصيات وطنية، منها إنشاء الهيئة الشعبية العالمية للدفاع عن القدس والتحرك المتواصل على المستوى المحلي والعربي والدولي، لكشف سياسة الاحتلال وجرائمه بحق المدينة المقدسة.وأوضح أن هذه الهيئة تأتي في إطار الجهود التي يجري التحضير لها لإطلاق أوسع تحرك شعبي، بمشاركة رجال ونساء وطلاب الجامعات وقيادات دينية ووطنية بغية التواصل ومخاطبة أوروبا وأمريكا والمؤسسات في الدول العربية والغربية، بغية فضح إرهاصات الاحتلال في القدس المحتلة، مشيراً إلى أن بداية هذا التحرك ستكون خلال الأيام القليلة المقبلة، التي سوف تشهد إقامة مهرجانات شعبية داعمة للموقف الفلسطيني الموحد حول القدس المحتلة.من جانبه قال راعي كنيسة اللاتين في الضفة الغربية، الأب جمال خضر، إننا ندعم التوحد الفلسطيني بكافة الأطياف والديانات للدفاع عن القدس المحتلة، وما تتعرض له من مخاطر وقال: «موقفنا هذا ليس جديداً، بل هو امتداد للنضال الوطني الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي».وأضاف: «لقد اتخذ قرار بإطفاء شجرة الميلاد كخطوة احتجاجية على قرار الرئيس الأمريكي الأخير حول القدس المحتلة، ونحن نعمل من أجل تكريس كل المناسبات والاحتفالات بأعياد الميلاد لنصرة القدس والدفاع عنها»، مشيراً إلى أن هذه المواقف من قبل رؤساء الكنائس تأتي في إطار السعي من أجل أن تكون القدس عاصمة للسلام العالمي وليس عاصمة للحرب.وكشف خضر عن أن رؤساء الكنائس استشعروا في وقت سابق وجود خطر حقيقي ضد القدس، وقاموا بإرسال رسالة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل إصداره هذا القرار، وحذرت هذه الرسالة من مخاطر الإقدام على أية خطوات أحادية الجانب، وأن اتخاذ مثل هذا القرار يساهم في زيادة بث مشاعر الكراهية ويشجع على العنف ويضاعف من حجم المعاناة على أهل القدس، وطالبوه بإبقاء الوضع القائم دون مساس بالقدس وسكانها.وأشار خضر إلى التنسيق الكامل ما بين رؤساء الكنائس لإطلاق حملة متزامنة مع الجهود الدبلوماسية التي تقودها السلطة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن القدس المحتلة، مشدداً على أن من أبرز التحديات التي تواجه هذه الحملة هو إمكانية النجاح في نشر الرواية الفلسطينية حول القدس ومكانتها على المستويين الأوروبي والأمريكي، لا سيما أن هذه الشعوب عاشت فترة طويلة تحت طائلة خداع الرواية الصهيونية التي نجحت في إظهار أن القدس هي عاصمة «إسرائيل»، موضحاً أن مواجهة الحملة اليهودية تأتي عبر مخاطبة العالم أجمعه وكشف الحقائق التاريخية حول القدس للعالم بأنها فلسطينية وعاصمة لدولة فلسطين، وأنها مدينة السلام وحافظت على احترام الديانات الثلاث، واحترام حرية العبادة وأن الرواية «الإسرائيلية» هي رواية زائفة يجب التصدي لها ومواجهتها بالحقائق.وقال: «طريقنا الأوحد هو المضي باتجاه الدفاع عن القدس، والتأكيد على أهمية وجوب أن تكون القدس مدينة للسلام وليست مدينة حرب ونزع السلام عنها، لأن السلام في العالم يبدأ أساساً بالقدس لأنها قلب فلسطين ولا يمكن التفريط أو التنازل عنها».وأشار خضر إلى أن الحملة الشعبية لنصرة القدس تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية؛ أبرزها التأثير في القرارات السياسية الدولية باتجاه حماية القدس المحتلة، إضافة إلى استثمار زيارة الوفود الأجنبية للقدس في احتفالات أعياد الميلاد لكشف زيف الرواية «الإسرائيلية» حول هذه المدينة، وتكريس الصلوات والمناسبات حول القدس وأهميتها الدينية والتاريخية، إضافة إلى تعزيز التواصل مع الكنائس ومجلسها والاتحاد اللوثري، والعمل مع الحجاج القادمين إلى فلسطين وتسهيل مشاهدتهم للجرائم والانتهاكات وسياسات الاحتلال في القدس المحتلة، والطلب منهم برفع صوتهم من أجل حماية المدينة المقدسة، وتحقيق السلام العادل والمنصف لفلسطين وشعبها، سواء أكانوا مسيحيين أم مسلمين. مسرحية كوميدية ومن ناحيته، شدد المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية الروم الأرثوذكس على أن القدس المحتلة تتعرض لممارسات «إسرائيلية» تستهدف النيل من مقدساتنا وأوقافنا وأبناء شعبنا وقال: إعلان الرئيس الأمريكي الأخير يمثل تطاولاً على شعبنا وعلى حقوقنا وانتمائنا لهذه المدينة المقدسة.وتابع حنا «الرئيس الأمريكي أعطى ما لا يملك إلى من لا يستحق، وهو بذلك إنما أماط اللثام عن الوجه الحقيقي لأمريكا، والذي كان منحازاً بشكل دائم لسياسات الاحتلال وممارساته».وقال: لقد استفزنا بشكل كبير ظهور الرئيس الأمريكي في هذه المسرحية الكوميدية وبالقرب من شجرة عيد الميلاد، حيث أعلن ما أعلنه بطريقة استفزازية مسيئة لمشاعرنا كفلسطينيين مسيحيين ومسلمين، كما أنها مسيئة لامتنا العربية ولكافة أحرار العالم مناصري القضية الفلسطينية.وأضاف: «إن القدس أمانة في أعناقنا كأبناء للشعب الفلسطيني الواحد مسيحيين ومسلمين، ويجب علينا جميعاً أن نعمل معاً من أجل الحفاظ على مدينتنا وإفشال كافة المؤامرات التي هدفها ابتلاع مدينة القدس، وطمس معالمها وتزوير تاريخها والنيل من مكانتها»، مشدداً على أن الشعب الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه موحدون على رفض القرار الأمريكي الأخير، الذي كشف القناع وأظهر الوجه الحقيقي للإدارات الأمريكية المتعاقبة، التي كانت دوماً معادية لشعبنا ولقضيته العادلة. وقال: «إعلان ترامب الأخير مرفوض من قبلنا جملة وتفصيلاً، ولا يحق لأي رئيس أمريكي أو أية جهة سياسية أخرى في العالم أن تشطب وجودنا، وأن تتجاهل حقوقنا وأن تزوّر تاريخ مدينتنا، فالقدس هي عاصمة روحية ووطنية لشعبنا، هكذا كانت وهكذا ستبقى ولن تؤثر فينا أية قرارات أو إجراءات أمريكية معادية. إن إعلان ترامب لن يزيدنا إلا ثباتاً وصموداً وتشبثاً وانتماء بمدينتنا المقدسة».وتابع: المسلمون يعتبرونها مدينة مقدسة وهي حاضنة المسجد الأقصى، أما المسيحيون فهم يعتبرونها عاصمتهم الروحية، وعلى كافة المسيحيين في عالمنا تقع مسؤولية الدفاع عن مدينة القدس المستهدفة في تاريخها وتراثها وهويتها، أقول لكافة المسيحيين في بلادنا وفي مشرقنا وفي عالمنا بأنكم عندما تدافعون عن القدس، أنتم تدافعون عن إيمانكم وعن تاريخكم وتراثكم، إنكم تدافعون عن مدينة السلام والتي غُيّب سلامُها بفعل الاحتلال وقمعه وظلمه، إن دفاعكم عن القدس هو دفاع عن عاصمة فلسطين والعاصمة الروحية والوطنية لشعبنا الفلسطيني، وانحيازكم للحقوق الفلسطينية المستهدفة والمستباحة في مدينة القدس، إنما هو انحياز للحق والعدالة ونصرة المظلومين والمتألمين في عالمنا. وشدد عطا الله حنا على أن أهمية الوحدة الوطنية الإسلامية المسيحية باعتبارها قوة للجميع للدفاع عن كرامتنا وحقوقنا وقدسنا ومقدساتنا، ومن يسعون لإثارة الفتن في صفوفنا ويحرضون على الكراهية والتعصب، إنما هم الوجه الآخر للاحتلال الذي لا يريدنا أن نكون موحدين، بل يريدنا أن نكون منقسمين، لكي نكون ضعفاء في الدفاع عن حقوقنا وعن قضيتنا العادلة وقدسنا المهددة والمستباحة.وكشف المطران حنا عن تعرضه إلى سلسلة من الشتائم ورسائل التهديد والوعيد، والتي لا نستبعد أن تكون وراءها جهات متصهينة عميلة ومشبوهة، ولكن وبغض النظر عن الجهة التي تقف وراء هذه الرسائل المشبوهة، وقال: «نود أن نقول بأن هذا التحريض وهذا التطاول لن يغير من قناعاتنا ولن يبدل من مواقفنا ومبادئنا، فنحن ثابتون في انتمائنا لإيماننا وتراثنا، كما أننا متشبثون بهويتنا العربية الفلسطينية، شاء من شاء وأبى من أبى». مرحلة خطيرة من جانبه قال الدكتور حنا عيسى، الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، «إن قضية القدس قد دخلت مرحلة خطيرة بعد ضم «إسرائيل» لشطر المدينة الشرقي، فإسرائيل تسعى لتوحيد شطري المدينة لتكوّن ما تدعيه بعاصمة دولة «إسرائيل» الموحدة والأبدية». وأوضح أن المدينة المقدسة وعلى مدى خمسين عاماً من احتلالها للمدينة لم تترك وسيلة إلا واتبعتها، ولا مخططاً وإلا نفذته في سبيل التهويد، وما زاد الطين بلة اعتراف الرئيس الأمريكي يوم الأربعاء الموافق 2017/12/6 بأن القدس المحتلة عاصمة ل«إسرائيل» ونقل السفارة من «تل أبيب» إلى القدس رسمياً، وهذا يعني أن هذه الخطوة الترامبية تكمن بخطرين رئيسيين: تاريخي قائم على أن المدينة تعتبر عاصمة دينية للشعب اليهودي، وآخر سياسي باعتبارها مركزاً للحكومة «الإسرائيلية»، ويضاف لهما خطر حقيقي هو الطلب من الخارجية الأمريكية بالبدء فوراً بنقل السفارة من «تل أبيب» إلى القدس.وأكد عيسى، «منذ أن احتلت «إسرائيل» الأراضي الفلسطينية في الرابع من حزيران لسنة 1967 م، وهي تعمل جاهدة بكافة الوسائل والطرق للسيطرة على مدينة القدس والسيطرة عليها، وتغيير معالمها بهدف تهويدها وإنهاء الوجود العربي فيها». وأوضح عيسى، «لتحقيق هدف «إسرائيل» بتهويد مدينة القدس من قبل حكوماتها المتعاقبة شرعت بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستوطنات عليها ثم تهجير الفلسطينيين وسحب الهويات منهم، بهدف خلق واقع جديد يكون فيه اليهود النسبة الغالبة في مدينة القدس». ونوه عيسى، «تشير تصريحات قادة «إسرائيل» دون استثناء إلى أن أهدافهم تجاه القدس تكمن بتحديد حدود القدس الموسعة التي ترغب «إسرائيل» في إخضاعها لسيطرتها من جانب واحد، دون مراعاة لأية قواعد أو اتفاقات، وعزل المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عن القدس وضواحيها وقراها، مع ما في ذلك من تمزيق للأرض، إضافة للتنكر للقوانين والمواثيق الدولية ولكل قرارات الأمم المتحدة التي لا تجيز احتلال أرض الغير بالقوة المسلحة أو تطبيق قوانينها عليها». وشدد عيسى، «فالقدس الشرقية هي أرض محتلة منذ حزيران عام 1967م وتخضع لقواعد القانون الدولي الخاص بحالات الاحتلال الحربي؛ أي أن السيادة عليها لا يمكن أن تنقل إلى «إسرائيل» بموجب سلطة الاحتلال التي هي بطبيعتها سلطة إدارية مؤقتة». الحضور المسيحي المجتمع الفلسطيني فيه حالياً أقل من 1% فقط من تعداد سكان الأراضي الفلسطينية مسيحيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وذلك لأن معظم مسيحيي فلسطين، قد توجهوا إلى العيش في بلاد أخرى لأسباب مختلفة منها وجود الاحتلال «الإسرائيلي» في هذه الأراضي، والوضع الاقتصادي السيئ، والإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن عدد المسيحيين 40.000 نسمة في الضفة الغربية، وأقل من 5000 في القدس، و 1000 في قطاع غزة. المسيحيون اليوم ضمن المجتمع الفلسطيني يشكلون نحو 20% من حجم تعداد الفلسطينيين حول العالم، الذي يبلغ ما يقارب 12,100,000 فلسطيني، منهم 4,620,000 في الأراضي الفلسطينية، حيث 2,830,000 في الضفة الغربية، و1,790,000 في قطاع غزة. وهناك حوالي 1,460,000 مليون فلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، إضافة ل 5,340,000 في الدول العربية، و 675,000 في الدول الأجنبية، حسب الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني في2014/12/31م. «في مدينة القدس كان مجمل السكان المسيحيين في العام 1944 لا يتجاوز 30,000 نسمة، وأصبحوا الآن أقل من 5000 في أواخر سنة 2014. حيث إنه بفعل الاحتلال هاجر الكثير من المسيحيين سنة 1967 إلى الأردن والسكن في العاصمة عمان، ولا غرابة أن نقول إن عدد المسيحيين في أستراليا أكبر منه في مدينة القدس الشرقية، وإن عدد المسيحيين الفلسطينيين في الولايات المتحدة الأمريكية من مدينة رام الله أكثر بكثير مما هو موجود الآن في مدينة رام الله» نفسها، في إشارة واضحة إلى حجم الاستهداف «الإسرائيلي» للقدس وتأثيراته في الوجود المسيحي بالقدس المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية.
مشاركة :