ولّدت هزيمة عام 1967 في نفوس الشباب رغبة كبيرة في استعادة ما سلبه العدو، حتى نتجت معجزات حرب السادس من أكتوبر مسطرين فيها العديد من البطولات، والتي لا تنتهي حكاياتها بمرور الزمن، من ضمنها عملية «المهمة المستحيلة». استهدفت العملية الوصول إلي رجال الصاعقة خلف خطوط العدو لإمدادهم بالمؤن، بعد أن انقطعت عنهم في أيام 10 و11 و12 أكتوبر، لتُلقى المهمة على عاتق اللواء نبيل أبوالنجا. حسب ما نقلته صحيفة «الأهرام» من كتاب «رحلة إلى جهنم»، قال «أبوالنجا» إنه التحق بقوات الصاعقة في ديسمبر 1967، فور تخرجه من الكلية الحربية برتبة ملازم، ليبدأ سلسلته في الترقيات حتى أصبح مسؤولاً عن إحدى أفرع الاستطلاع في يناير 1973. درّب «أبوالنجا» كتيبته على نصب الكمائن في المناطق الجبلية، لنية القادة في خوض مهمة اقتحام المناطق الخلفية لجبل عتاقة، وتوقفت الاستعدادات في 5 أكتوبر حتى يتأهب الجنود لخوض المغامرة. في الرابعة من عصر يوم السادس من أكتوبر أقلّت مروحية الكتيبة إلي مضيق رأس سدر شرق القناة، بعمق 70 كيلومترًا تحت ستر مظلة جوية، وهناك نصب الجنود كمائنهم بهدف تدمير اللواء المدرع الإسرائيلي ومنعه من التقدم. بوصول الكتيبة أصدرت القيادات أمرًا بإيصال المؤن لهم عن طريق طائرتي هيلكوبتر في السابع من أكتوبر، لكن بعد نقاش طويل تم إلغاء العملية لصعوبتها، وكان البديل هو اعتماد اقتراح العقيد أركان حرب نبيل شكري مصطفي، والذي رأى الحل في الدفع بدورية جمال يتراوح عددها بين 15 : 20 جملاً محملة بالمؤن والذخيرة. كُلف «أبوالنجا» بتنفيذ تلك المهمة، ورافقه 4 جنود من سلاح الهجانة إلى جانب عدد من قبائل منطقة رأس سدر، وتلقوا تعليمات بأن يكون العبور من جهة الضفة الغربية للقناة عند كوبري الشط، على أن يكون بالتعاون مع عناصر استطلاع مصرية لمعرفة المناطق التي يمكن التسلل منها، على أن يكون التحرك ليلاً فقط. وصل «أبوالنجا» ورفاقه إلى الضفة الشرقية للقناة فجر يوم 10 أكتوبر، من خلال الثغرة التي فتحها المهندسون في الساتر بخراطيم المياه، ولجأوا في ساعات النهار إلى الاختباء في حُفَرٍ ناجمة عن القصف الصاروخي الجوي والمدفعي، ورفض هو وجنوده شرب المياه من المؤن التي يحملونها، ليعتمدوا على نبات السيال للتغلب على العطش. في مساء نفس اليوم وصل الجنود إلي بداية الطريق الإسفلتي المؤدي لكتيبة الجيش المصري، وخلال سيرهم فوجئوا باشتباك بين القوات المسلحة والعدو، إلى أن أطلقت عليهم عربة إسرائيلية قذائف هاون، ما أسفر عن هرب عدد من الجمال. انخفض عدد الجمال إلى 5 فقط، وهو لم يثني «أبوالنجا» عن التقدم، ليتوجه إلى منطقة عيون موسى للتخفي نهارًا، إلى أن سمع، في 11 أكتوبر، أصوات طائرات استطلاع العدو، وعمد جندي من إطلاق النيران منها عليهم، متعقبًا آثار أقدامهم. أمر «أبوالنجا» جنوده إلى ضرورة الفرار من موقع اختبائهم، على أن يرتدوا في أقدامهم فرو الخراف حتى لا يتركوا آثار أقدامهم على الرمال، وبعد 15 دقيقة ابتعدوا عن موقع الهجوم الذي دمره العدو بأكمله عقب رحيلهم عنه. انضم إليهم في تلك اللحظات أحد شيوخ البدو ونجله، ومعهما عدد من الجمال، وقال لـ«أبوالنجا»: «إحنا منتظرينك بفارغ الصبر»، ليتفق معه على أن يتم تقسيم القافلة لمجموعتين، حتى يسلك كل منهما طريقًا مختلفًا، إلى أن بدأ التحرك على بُعد 5 كيلومترات من موقع تواجد كتيبة الصاعقة. في فجر 14 أكتوبر وصلت الجمال إلى كتيبة الصاعقة، بعد مرور أسبوع كامل واجه فيها «أبوالنجا» ورفاقه مخاطر عدة، إلى درجة توديع العقيد السيد الشرقاوي قبل التنفيذ، معتقدًا أنه لن يراه مجددًا حسب روايته، والتي ختمها بقوله: «نجحت الجمال في تحقيق ما تعثرت فيه الطائرات والقوارب السريعة والمدرعات».
مشاركة :