تعاني مناطق نائية في إفريقياً إهمالاً وتجاهلاً كبيرين من قبل حكوماتها المتعاقبة، التي جعلتها خارج خططها التنموية كلياً، ليعيش ملايين الأطفال تحت وطأة اللجوء والفقر والجهل، بصورة وضعت الضمير الإنساني في قفص الاتهام لعقود طويلة، إلى أن شعر جزء من العالم بوجودهم، وامتدت إليهم أيادي العطاء ممثلة خدمات تعليمية وغذائية وعلاجية. ورافقت «الإمارات اليوم» فريق مبادرة «دبي العطاء»، إحدى مبادرات محمد بن راشد العالمية، في جولة ميدانية في تنزانيا ومالاوي وأوغندا، للإشراف على مدى استفادة المشمولين ببرامجها التعليمية والخيرية. وليس غريباً أن تظل هذه البلدان، حتى اليوم، موطناً لأمراض وفيروسات لم يعد يسمع بها معظم شعوب العالم، ويكون شرط السفر إليها الحصول على تطعيمات صحية ضد قائمة طويلة من هذه الأمراض، تختلف حسب الوجهة المسافر إليها، فضلاً عن ضرورة الالتزام بالحصول على جرعات أدوية باستمرار، حتى بعد مغادرتها بفترة. مدارس بدائية وفصول مكدسة بالطلبة.. ودورات المياه «رفاهية» لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. مدارس في تنزانيا.. الوصول بحراً أو جواً فقط تستهدف برامج مبادرة «دبي العطاء» دعم المدارس في المناطق النائية بإفريقيا، وفي سبيل ذلك تواجه تحديات عدة، أبرزها الجهد الشاق في الوصول إلى تلك المناطق، إذ يتطلب ذلك السير ساعات بالسيارة، وأحياناً لا يمكن الوصول إلى بعض المناطق إلا بحراً أو جواً، الأمر الذي يفرض قضاء عشرات الساعات للانتقال بين مدرسة وأخرى في الدولة الواحدة، والتي عادة تكون بنيتها التحتية متدنية، ومحفوفة بالمخاطر الأمنية والصحية.أمهات في سن الـ 13.. و«فاتورة حياة» العمل ليلاً ونهاراً في مالاوي، وتحديداً في منطقة لاوس، التقت «الإمارات اليوم» عدداً من الفتيات أعمارهن أقل من 15 عاماً، دفعتهن الظروف المعيشية إلى ترك التعليم، لأسباب عدة، أبرزها الزواج المبكر، والحمل، وارتفاع الرسوم الدراسية، والاتجاه إلى العمل لمساعدة الأسرة. سارة زودي، طفلة عمرها 13 عاماً، التقيناها وكانت تحمل بين ذراعيها رضيعها، إذ اضطرت إلى التوقف عن التعليم، عقب حملها المبكر. وقالت زودي: «وجدت نفسي أماً، وأصبح مطلوباً مني توفير الرعاية الكاملة لرضيعي، في ظل كلفة حياة مرتفعة لا يمكن توفيرها إلا بالعمل ليل نهار، لذا لم يكن بمقدوري الاستمرار في التعليم». فيما أوضحت جينا أجادي، ولارا أوزيل، أن الفقر الشديد وبعد المدارس، وعدم مجانية التعليم الثانوي، فضلاً تقاليد الزواج المبكر في منطقتهما، وراء تركهما الدراسة. وتشير إحصاءات لمنظمة اليونسكو إلى أن أعداد الفتيات اللواتي يستكملن تعليمهن الثانوي أقل بكثير مقارنة بالذكور، وأن 57٪ فقط من الفتيات في مالاوي يستكملن تعليمهن الابتدائي. أطفال إفريقيا تحت وطأة اللجوء والفقر والجهل أتاحت مرافقة جولات مبادرة «دبي العطاء» في إفريقيا، الفرصة لمشاهدة حالات إنسانية، عانت على مدار عقود بسبب تجاهلها وإهمالها، فالمدارس، لاسيما الموجودة في المناطق النائية، تفتقر لأبسط مقومات العملية التعليمية، إذ لا توجد دورات مياه، أو مياه شرب نظيفة، ويتكدس عشرات الطلاب في الفصل الواحد، مقابل النقص في المعلمين المدربين. أما في مخيم اللاجئين بشمال أوغندا، فلا تقف المعاناة عند ضعف فرص التعليم فقط، بل تمتد إلى صعوبة الحصول على مياه الشرب، التي تدفع النساء ليقفن في طوابير تمتد طيلة الليل في جنح الظلام على بئر المياه التي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن مقر المخيم، الأمر الذي أوجد مشكلات مجتمعية، بسبب انشغال الزوج نهاراً بالعمل، والزوجة ليلاً بالحصول على المياه. أما منازل المناطق النائية، فهي عبارة عن أكواخ صغيرة، أو غرف من الحجارة وأوراق الأشجار، تجمع كل أفراد الأسرة مهما كان عددهم، وليس بها كهرباء أو مياه، أو دورات مياه. وكانت أولى المحطات في جزيرة زنجبار بدولة تنزانيا، وبمجرد أن وطئت أقدامنا أرض الجزيرة، فوجئ فريق مبادرة «دبي العطاء»، والمرافقون له، بتحذيرات بسبب تفشي «الكوليرا» في المنطقة من السير بالمناطق المزدحمة، وتجنب لمس أي شيء لمنع انتقال العدوى. وأصر الفريق على تنفيذ الجولة الميدانية، في عدد من المدارس المشمولة بالبرنامج، بعد اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، وتم إنجاز المهمة دون تردد. تفشي الكوليرا، والأجواء الممطرة، وسير الطلبة مسافات تصل إلى خمسة كيلومترات على الأقل من المنزل إلى المدرسة يومياً، التي زودتها «دبي العطاء» بالوسائل والأدوات والبرامج التعليمية كافة، فضلاً عن تدريب المعلمين، ليكونوا نواة تدريبية لغيرهم في المنطقة. وقال والد أحد الطلبة، يدعى أحمد كادي: «في ظل الفقر الذي تعانيه الجزيرة، وانتشار الأمراض والأوبئة، وعدم القدرة على تحمل كلفة المعيشة، خصوصاً الطعام والشراب، يصبح التعليم رفاهية لا يتمكن منها إلا القليل». وتابع «في الوقت الذي لا تشملنا فيه برامج وخطط الحكومات، نجد بريق أمل نحو مستقبل أفضل، تعطيه لنا المنظمات والمؤسسات الخيرية العالمية، مثل (دبي العطاء)». فيما قال الطلبة، في مرحلة التعليم الأساسي بإحدى مدارس زنجبار: سانا غينا، وماجي بيغ، وسارة مصطفى، إن المساعدات الإنسانية في مجال التعليم، ولدت لديهم الأمل في حياة أفضل، بعد أن كان ينتظرهم مستقبل مظلم. وحسب إحصاءات رسمية أصدرتها وزارة الصحة في تنزانيا، فإن «الكوليرا» أصابت 570 شخصاً، وأدت إلى وفاة 18 منهم. ودعت السلطات المحلية، هناك، إلى اتخاذ الاجراءات لمنع انتشار المرض. وجيه السباعي ـــ دبي «ألبيرا» فر بأبنائه الـ 12 من حرب أهلية إلى مخيم لاجئين من بين مئات الآلاف من الفارين، من جحيم الحرب الأهلية في جنوب السودان إلى مخيمات اللاجئين، كانت أسرة بيتا دايرو ألبيرا، المكونة من 12 ابناً وابنة. ألبيرا لم يجد أمامه فرصة لبقاء أسرته على قيد الحياة إلا الهروب إلى المجهول، تاركاً خلفه بيته، وأرضه التي كان يزرعها ويقتات مما تجود به. من بين الآلاف من المقيمين في مخيم لاجئي جنوب السودان، بمنطقة أدجوماني الواقعة شمال أوغندا، التقت «الإمارات اليوم» ألبيرا وأسرته، الذي قال: «حينما اندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان سنة 2013، ووصلت موجة القتال إلى ذروتها في 2016، لم يعد أحد من السكان آمناً على حياته وحياة أسرته، وأصبح الهروب إلى أي بلد آخر طوق النجاة الوحيدة من الموت». وتابع: «ذات يوم انتهزت فرصة هدوء المعارك وإطلاق النار، وهربنا بحثاً عن مكان آمن، تاركين أرضنا وبيتنا، وكانت أوغندا هي الوجهة الأقرب إلينا، حيث استقبلنا مخيم اللاجئين هناك، وظللنا فيه حتى يومنا هذا». وقال ألبيرا «حرمان أبنائي من التعليم كان الكابوس الأكبر الذي يؤرقني، خصوصاً أننا أصبحنا لاجئين في أرض غريبة، لا نملك فيها شيئاً، إلا ما يعطى لنا على هيئة مساعدات إنسانية، وظل هذا الكابوس حتى مدت دولة الإمارات، ممثلة في مبادرة (دبي العطاء)، أياديها بالخير والأمل، إذ شيدت مدارس ووفرت الأدوات التعليمية، وصار لنا الحق في أن نحلم بمستقبل أفضل لأبنائنا». أما زوجة ألبيرا، واسمها جو أنتازيا، فقالت إن أسرتها المكونة من ستة ذكور وست إناث، أصغرهم عمره سبعة أعوام وأكبرهم 18 عاماً، وإن ثمن تلك الحرب يدفعونه غالياً، إذ يكلف أبناءهم مستقبلهم بأكمله، ولولا أيادي العطاء التي امتدت إليهم لكان مستقبل أبنائهم أكثر ظلمةً ووحشةً. ووفق تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2017، يسعى معظم اللاجئين من جنوب السودان إلى الحصول على الأمان في أوغندا، التي استضافت 852 ألفاً و300 لاجئ حتى نهاية مارس الماضي، بينهم 195 ألف شخص (60% منهم أطفال) نزوجوا من بلادهم، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، أي بمعدل 2000 لاجئ يومياً، ومن المتوقع يرتفع العدد إلى نحو مليون و400 ألف. القرق: أيادي العطاء ترسم خارطة طريق لأجيال تعاني الحرمان قال الرئيس التنفيذي لمبادرة «دبي العطاء»، طارق القرق، إن برامج المبادرة تهدف إلى رسم خارطة طريق لأجيال تعاني الحرمان، إذ تستهدف في المقام الأول البلدان الأقل نمواً في العالم، استناداً إلى إحصاءات الأمم المتحدة، وتركز أيضاً على المؤشرات الأساسية والتعليم، التي تتضمن على سبيل المثال مؤشر «التنمية البشرية»، الذي يتم إصداره من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتقرير الرصد العالمي للتعليم للجميع الذي يصدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومعدل انتشار الفقر المدقع والمرافق الصحية المحسنة، ومعدل انتشار سوء التغذية وصافي معدل الالتحاق بالمدارس ونسبة الحضور بمدارس التعليم الأساسي، بالاضافة إلى مؤشر المساواة بين الجنسين في مدارس التعليم الأساسي، ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة. وأضاف أنه، من خلال تقارير الشركاء التنفيذيين من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية، حول احتياجات المجتمعات، يتم وضع استراتيجيات للنظام التعليمي لهذه البلدان، لافتاً إلى أن «دبي العطاء» تعقد لقاءات مع الحكومات والمجتمعات المحلية، من أجل التعرف إلى احتياجات هذه البلدان، وتقديم حلول لها بأسلوب يُحدث أثراً فورياً وطويل الأجل في حياة الأطفال والشباب.
مشاركة :