مضادّات الاكتئاب... متى تكون فاعلة؟

  • 12/27/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في بلدانٍ كثيرة يعترف أطبّاء النفس بأنّ مضادّات الاكتئاب توصف غالباً بطريقة خاطئة: لمن لن يستفيدوا منها، ونادراً لمن يحتاجون إليها فعلاً، أو بجرعات أو لمدّةٍ غير كافيتين. دفعت هذه الأسباب بالهيئة العليا للصحّة في بلدان عدة إلى إعادة تحديث إرشاداتها في مجال رعاية الاكتئاب، وهو السبب الأكثر شيوعاً، ولكن ليس الوحيد، لاستهلاك هذه الأدوية. لا نوبات حزن لا يجب النظر إلى هذه الأدوية إلّا في حالات الاكتئاب الشديد والمتوسّط والحادّ خصوصاً. إذا كان المرء قادراً على متابعة عمله ولو بمواجهة بعض الصعوبات في التركيز والتفكير، أو غير متجاوب مع أولاده لكنّه لا يزال حاضراً من أجلهم، أو يعيش تراجعاً في حياته الاجتماعيّة ولكن ليس لدرجة عدم الردّ على الهاتف أو الالتقاء بأصدقائه المقرّبين... فهو على الأرجح يمرّ باكتئابٍ طفيف. في هذه الحالة، يُفضّل اعتماد العلاج النفسي وليس مضادّات الاكتئاب. لكنّ الأخيرة تصير ضروريّة في حالات الأفكار الانتحاريّة، أو الاضطرابات في الحياة اليوميّة ضمن العائلة أو المجتمع أو العمل. عندئذٍ، يعجز المريض عن الذهاب إلى وظيفته، من ثم عن النهوض من السرير صباحاً، ويعاني أرقاً شبه يومي، ويفقد المتعة في الأنشطة التي كان يحبّها، وينطوي على ذاته ويشعر بحزن وفراغ ونقص في الطاقة، ويحقّر نفسه ويلقي اللوم عليها من دون سبب... نذكر أنّ خارج هذه الحالات، يوصى أحياناً بتناول مضادّات الاكتئاب إلى جانب تلك الخاصّة بالقلق لتخفيف حدّة أمراضٍ أخرى أبرزها نوبات الهلع مع رهاب الخلاء، والرهاب الاجتماعي والاضطراب النفسي المعمّم ونوبات القلق والوسواس القهري. بالإضافة إلى الآلام المزمنة من أصلٍ عصبي، والتي تتطلب جرعات أقلّ من تلك الضرورية في حالة الاكتئاب. التريّث: حلّ خطر أحياناً حسب الخبراء، يتميّز هذا العلاج بقدرته على تخفيف مدّة المعاناة النفسيّة وحدّتها، فلا يجد المرء نفسه في مواقف صعبة كخسارة عمله، ويحول دون انتكاسه مجدداً والتفكير في الانتحار. لذا عندما يرفض المريض تناول مضادّات الاكتئاب لأنّه يظنّ أنه قادر على تجاوز هذه المرحلة من دونها، فيكون ذلك مجرّد مضيعة للوقت ولفرصة الشفاء أيضاً. يشدّد الخبراء على أنّ مع هذه الأمراض تحديداً التي لا تنتج عن ضعف نفسي، كلّما أبكرنا في العلاج، ازدادت الفاعلية. في المقابل، كلّما تأخّرت هذه اللحظة، ارتفع خطر أن تصير الأعراض مزمنة وصعبة العلاج. في بعض الحالات، تكون الأعراض الجانبيّة مصدر قلق: فعلى عكس الفكرة السائدة، لا تنشئ مضادّات الاكتئاب إدماناً كما هي الحال مع مضادّات القلق، لكنّ بعضها يزيد الوزن قليلاً أو في المراحل الأولى من العلاج، خصوصاً أنه يؤدّي إلى اضطراباتٍ هضميّة أو أوجاعٍ في الرأس أو الشعور بالنعاس أو مشاكل أخرى. لذا يتطلّب تناول مضادّات الاكتئاب صبراً لأنّ المريض يحتاج إلى أسبوعين أو أربعة أسابيع ليشعر بمفعولها الإيجابي، ومن أربعة إلى ثمانية أسابيع ليحكم على فاعليّتها. احترام الوصفة الطبّيّة يقول الخبراء إنّه لا يجب التوقّف عن تناول مضادّات الاكتئاب في وقتٍ مبكرٍ ولو لم يكن المريض يشهد تحسّناً، أو في حال كان منزعجاً من التأثيرات غير المرغوب بها والانتقاليّة غالباً. ويعيد الطبيب حساباته بشأن العلاج في حالة وحيدة، وهي عندما يفشل. كذلك لا يجب التوقّف عن تناولها ما إن يشعر المريض بتحسّنٍ، بل يجب تمديد المدّة ستّة أشهرٍ أو سنة على الأقلّ بعد تراجع الأعراض بشكلٍ ملحوظ، على أن يتوقف المريض عن تناوله تدريجاً، وإلّا ثمّة خطر بمعاودة الحالة. أمّا إذا كان العلاج النفسي محبّذاً إلى جانب الطبّي، فمن الضروري في بعض الحالات التريّث بضعة أسابيع، ليعطي مضاد الاكتئاب مفعوله. فمن يعاني اكتئاباً كبيراً يقع ضحيّة التفكير المستمرّ بموضوعٍ معيّنٍ وتراوده الأفكار السوداء، إلى جانب مشاكل الذاكرة أو التركيز، فيكون عاجزاً عن العمل على ذاته ضمن العلاج النفسي الذي يزيد الطين بلّةً في بعض الحالات. طبيب صحّةٍ عامّة أم طبيب نفسي؟ يستطيع طبيب الصحّة العامّة أن يصف مضاداً للاكتئاب عند الضرورة ويحدّد الجرعات أو يغيّر الجزيئات عند الفشل، في حال كان يعرف مريضه جيّداً وسبق وأخذ الوقت الكافي ليشخّص حالته. في المقابل، يصبح الرأي المختصّ من طبيب نفسي ضروريّاً في حال غياب أيّ تجاوبٍ مع العلاج رغم تكييفه وفقاً لحاجة المريض. معلومة سريعة: يزيد شرب عصير البوملي الآثار السلبيّة لمضاد اكتئابٍ معيّن: السيرترالين (اسمه التجاري «زولزفت»). للأولاد والمراهقين: علاج محتمل تحت رقابة مشدّدة إذا عاني طفل أو مراهق اكتئاباً حادّاً وراحت تراوده أفكار انتحاريّة بشكلٍ خاصّ، يشدّد الخبراء على ضرورة تناول مضاد الاكتئاب في هذه الحالة. ولكن يجب أن يصف طبيب نفسي أو اختصاصي علم نفس الأطفال الدواء المناسب، على أن ترافقه مراقبة عن كثب خصوصاً في المراحل الأولى من العلاج إلى حين يعطي الدواء مفعوله، ويخضع المريض لعلاج نفسي أحياناً في المستشفى.

مشاركة :