الديمقراطية.. ونهاية «نهاية التاريخ»!

  • 12/28/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يُعتبر انهيار الائتلاف الحاكم في برلين بعيداً كل البعد عن أن يمثل مجرّد أزمة وطنية، بل إن له دلالات أوسع. وحان الوقت بالنسبة للسياسيين الألمان لأن يعرفوا ما الذي يهدد بلدهم وبقية بلدان العالم الغربي. وفي بعض الأحيان، ننسى نحن الغربيين أن وجهة نظرنا حول الواقع الذي يعيشه العالم لا تمثل إلا واحدة فحسب من بين العديد من وجهات النظر الأخرى، وبأن مفهومنا لحقوق الإنسان وتمسكنا بالديمقراطية الليبرالية لا يجتذب الكثيرين من سكان الكوكب، فهل يُعدّ النمط الغربي للحياة مثالياً من الناحية الأخلاقية؟ وحتى لو كان كذلك، فهل يمثل الطريقة البناءة الأكثر انطواء على الفاعلية والقدرة على تنظيم المجتمعات البشرية؟ ولقد دأبنا نحن الغربيين على استقراء التاريخ وفقاً لمفاهيمنا الخاصة التي نحاول من خلالها تجسيد القوى المحركة الإيجابية القابعة في أنفسنا، فهل كان تموضع أوروبا والولايات المتحدة في صلب الأحداث العالمية أمراً لا يمكن اجتنابه؟ ألم يكن هذا التدخّل مستوحى من شعورنا بأننا دعاة تنوير ونهضة للعالم، ومن تفوقنا التكنولوجي؟ ألم يحدث ذلك انطلاقاً من شعورنا بالتميز؟ ولقد وضع فرانسيس فوكوياما كتابه الشهير (نهاية التاريخ)، الذي أكد فيه على انتصار القيم الغربية. وأشار إلى اقتراب الوقت الذي سيشهد تحوّل العالم أجمع نحو الديمقراطية، وخُيّل إليه أن هذا الانتصار الذي حققه النظام السياسي العالمي بات واضحاً وأزلياً. والسؤال المهم الآن: إلى أي حد تبدو هذه النظرة للعالم وهي تنطوي على العبثية والمجون الفكري في هذا الوقت الذي نودع فيه عام 2017؟ منذ أحداث سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، أوقع الغرب نفسه في عدد من المطبّات، فكان هناك التدخل غير المبرّر في العراق وأفغانستان وليبيا، وكانت هناك أيضاً الأزمة الاقتصادية التي صنعها بنفسه عام 2008، ولم تكن في حقيقة الأمر كارثة عالمية بقدر ما كانت أزمة للدول الواقعة على ضفتي المحيط الأطلسي، ودليل ذلك أن دولاً آسيوية، مثل الصين وإندونيسيا، واصلت نموها خلال تلك الفترة. وبعد ذلك بسنوات، كنا نقنع الدول غير الديمقراطية من خلال ممارساتنا السياسية، بأن الديمقراطية لم تعد نظاماً يمكن الاعتماد عليه، وأنه نظام هشّ وضعيف وقابل للتحلل والانهيار، فهو يسمح بوصول قادة غير أكفاء إلى أعلى مراتب السلطة، ويمكن أن يؤدي إلى ارتكاب الأخطاء الفادحة مثلما حدث في استفتاء الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي «البريكسيت»، وبات من الواضح أيضاً أن الديمقراطية نظام بطيء الأداء. وتدفعنا هذه الوقائع والتساؤلات للتوقف عند ما يحدث في ألمانيا، ويجب الانتباه أولاً إلى أن الأزمة الحكومية هناك، وتفاقمت بسبب فشل محادثات تشكيل ائتلاف يسمح بتأليف حكومة جديدة، لم تتحول حتى الآن على الأقل، إلى «أزمة دولة». لأن الحكومة الانتقالية (حكومة تصريف الأعمال) لا زالت تؤدي عملها، ولا يزال الرئيس الفيدرالي يُظهر حنكته وحصافته في إدارة الأمور، ولا يزال الاقتصاد قوياً، فضلاً عن أن النظام السياسي يعمل بكفاءته المعتادة، وحتى المستشارة أنجيلا ميركل، لا زالت تواصل عملها بأسلوبها الفعال الذي يحتكم إلى نضج مشهود وفعالية سياسية غير مسبوقة بعد أن قضت في الحكم 12 عاماً، وعلى الرغم من تراجع قدرتها على التواصل السياسي مع الأحزاب الأخرى، فإن ألمانيا أصبحت بفضلها على حالة الازدهار التي نراها عليه الآن. وكان الموقف الذي اتخذه «الديمقراطيون الاجتماعيون» يتصف بشيء من التهوّر والافتقار للنضج السياسي عندما رفضوا فكرة تشكيل ائتلاف مع ميركل، والآن لم يعد هناك خطّ آمن سياسياً للتراجع إلى الوراء بالنسبة لها لأن اشتراكها في تحالف موسّع مع الأحزاب المنافسة سوف يهمّش حزبها «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، وقد يؤدي به إلى خسارة كبيرة بحيث لا يحتفظ إلا بنحو 15 بالمئة من مقاعد البرلمان «البوندستاغ» خلال السنوات الأربع المقبلة، ولهذا السبب أصبحت الانتخابات المبكرة هي الحل المنطقي الوحيد، فلعلها تأتي بأغلبية حزبية قوية يمكن تفويضها بتشكيل حكومة ائتلافية وبحيث تكون المباحثات بشأن تشكيلها أكثر سهولة، وهذا يمثل النتيجة الأكثر إثارة للغضب على الطريقة التي انسحب بها كريستيان ليندنير ممثل حزب الديمقراطيين الأحرار من المحادثات، والمتعلقة بالتذمّر المتواصل للمحافظين البافاريين من انقضاء أسابيع من المساومات حول التفاصيل من دون الاهتمام بالأسباب الحقيقية للمشكلة. ... المزيد

مشاركة :