هناك بعض الرجال لهم تأثير عميق في النفس من واقع بيض صنائعهم وجميل صفاتهم ونبل أخلاقهم وطيب معشرهم وحلاوة كلمتهم وجمال بشاشتهم، إن كانوا بيننا في هذه الدنيا فإنهم يبقون مشاعل تضيء لنا الكثير من طرقنا وتفتح لنا أفضل الأبواب التي يمكن أن ندخل منها ونحن نتجول في الحياة الواسعة، وإن رحلوا فإنهم يبقون بذكراهم قبسا ورموزا لا تموت، وفي النفس أسىً على رحيلهم وفقدهم. من هؤلاء الأديب الدكتور عبدالله بن علي بن عبدالرحمن آل الشيخ مبارك، الذي رحل عن دنيانا الفانية وخلفه إرث هائل من أجمل المعاني في كل ما يتعلق بحراكنا ونشاطنا الإنساني، اجتماعيا وأدبيا وثقافيا وعلميا، فهو أحد رواد التعليم السعوديين، حيث ظل طيلة حياته باحثا وأكاديميا فذا وفريدا، تواكبت مسيرة عطائه الغزيرة بعطاء الأحساء أرض الحضارات والأدب والنبوغ والنخل الذي يعلو ويثمر أطيب الثمر. أديبنا وشيخنا الراحل نموذج للقائد والمعلم والأديب الذي وهب حياته لخير مجتمعه ووطنه، وكان نموذجيا في كل شيء، وذلك من فضل الله عليه، ولذلك لا غرابة أن تلتقي كل القلوب والنفوس التي أحبته في رحابه وهو يوجه ويرشد ويدل ويقوّم وينصح، فهو مربٍّ لكثير من الأجيال، وهو رابط اجتماعي مقدّر، ألهم الكثيرين حسن التعامل ووضعهم في الطريق الصحيح باتجاه مكاسبهم وطموحاتهم. أذكر الشيخ الراحل جيدا، فقد خبرته عن قرب، وكانت له في القلب مودة خاصة ومحبة تعمر بعاطفة صادقة تجاهه، ولا تزال، فهو يستحقها وأحسب أن الكثيرين على ذات القياس الوجداني والعاطفي تجاه الراحل، ومعرفتي به توثقت في العاصمة الرياض أثناء زياراته لي في مقر الأمن العام، وحين تمت ترقيتي الى رتبة عقيد كان - رحمه الله - فرحا بهذه المناسبة وكأنني أحد أبنائه البارين، وتوثقت علاقتي به اثناء زياراتي له في منزله العامر في حي التخصصي بالرياض، وأيضاً حين كان يزور والدي باستمرار طوال فترة مرضه الى قبل وفاته، وذلك جعلني أرتبط به وأضعه مقام الوالد الذي كان بدوره يحبه ويقدره وبينهما حبل الود ظللت أحرص على إبقائه. كنت خلال عملي بالأمن العام في الرياض أزوره وأتردد عليه كثيرا، وأجده محتفيا بنا هاشا باشا مرحبا، ورغم كل ما وجدته منه من طيب معشر، فإنني في الواقع أعجز عن وصف الراحل، فهو قامة كبيرة لم تتوقف عن النهل المعرفي طوال حياته، وكان معجما ومرجعا أدبيا واجتماعيا ضخما. في مسيرة الراحل امتداد معرفي طويل اعتنى فيه بالأدب والثقافة بصورة تفوق الكثيرين من أبناء جيله، ولذلك برز أديبا ناشطا من خلال عمله الأكاديمي والعلمي الواسع الذي توَّجه بالعديد من المؤلفات والأبحاث الرصينة عن تاريخنا الأدبي والثقافي، وخلال عمله أستاذا للغة العربية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، قدّم الكثير من الوقائع عن المسيرة الأدبية في بلادنا. ونحن إذ نودع فقيدنا لا نملك له سوى الدعاء بأن يتغمده الله بواسع رحمته، وأن يفسح له مقاما في الجنة، وتبقى ذكراه في أعماقنا نبراسا يلهمنا جميعا بقيمة الفرد منا حين يخلص في عمله من أجل وطنه ومجتمعه كما فعل الشيخ الأديب الدكتور ابن المبارك.
مشاركة :