وددتُ ألا أصدّق ما تداولته ـ منذ أيام ـ مواقعُ التواصل حول شاب (عسكري)، طلب إلى صديقه مساعدته بكسر أحد أصابع يده؛ ليجد به عذراً (طبياً)؛ يسوّغ له (نظاماً) التمتع بإجازة عيد الأضحى، ليس مع أسرته بل مع صديقه، حسب وعد قطعه له على نفسه! فما كان من الصديق العزيز إلا أن بادر فعلياً بتلبية الرغبة (المشتركة) بكسر أصبع صديقه العسكري (رفيق الكفاح) عمداً، بعد أن اجتهد الكاسر في تخفيف آلام العملية (التخريبية) مستعيناً بمخدر موضعي! وإن كانت الحادثة قد راجت كتغريدة عن حادثة طريفة، فإن في ذلك تجاهلاً ـ إنْ لم يكن جهلاً - بمؤشرات وحقائق تفضحها تفاصيل الحادثة، وتكشف عن أكثر من خلل! في أكثر من محطة، أخلاقية واجتماعية، بدت جلية من خلال ما أقدم عليه الصديقان ـ كما يزعمان ـ من تصرّف شيطاني، تجاوز بطيْش كل أُطر الصداقة، إلى التعاون في ابتداع الحيل السلبية المضرة، بأسلوب لا يتوافق مع الفطرة السوية السليمة، في أبسط وأدنى حالاتها! فالصديق العسكري، من سياق الحدث، قد جسَّد كل معاني التخاذل والسلبية، بتفضيله راحة البال و(عيدية) مع صديقه، على أداء واجبه تجاه وطنه، في موسم تشرف به وتتفرّد بلادنا ملكاً وحكومة وشعباً بخدمة ضيوف الرحمن حجاج بيت الله العتيق والكعبة المشرفة وقاصدي زيارة مدينة الرسول الكريم ـ عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم - وتحشد مقدّراتها وكوادرها البشرية وموازناتها المالية الضخمة كافة لهذه المناسبة الدينية العظيمة.. وكم كان حريًّا بهذا العسكري، بحكم موجبات وظيفته ومسؤوليته، أن يحرص أشدّ الحرْص على المسارعة إلى حيث مقدّمات صفوف الشرف والكرامة، من خلال هذا الواجب الوطني المقدس، الذي لا تعدله صحبة صديق، ولا ملازمته عند هامش لهو لا طائل من ورائه! وهنا أرْبأ بأبناء هذا الوطن الغالي وموظفيه ـ عسكريين ومدنيين ـ أن يجد أمثال هذا العسكري المتخاذل بينهم موطئ قدم! وهذا هو السائد والمعروف عن الشعب السعودي، كما شهدت المواقف والأحداث والمناسبات على اختلافها! ولعله، ومن باب استخلاص المفيد من طرْفة سمجة كهذه، أن نقرّ بحالة فردية، لا تعكس واقع المواطن السعودي، ولا قيم المجتمع، بقدر ما تثير في النفْس من تساؤلات عن تردي مستوى الوعي بقيم العلاقات الإنسانية ومتطلباتها، وما قد يصل إليه مستوى تفكير فرْد حاول التواري خلف أصبعٍ مكسورة مجبّرة، بحيلة مقززة في مجمل تفاصيلها الأليمة، وقد مالت شوكة ميزانه، عند اعتدال تفكيره، نحو كفّة الوفاء لصديقه، على حساب كفّة أسمى وأعظم! قوامها خدمة وطن، شاء الله له وقدّر أن تهوي إليه أفئدة العباد ملبية من كلّ فجّ عميق.. فطوبى لوطن خصّه الله بهذا الشرف، وطوبى لمليك أطلق على نفسه لقب خادم الحرمين الشريفين، وطوبى لشعب توشّح براية لا إله إلا الله محمد رسول الله. ودام عزك، وبورك في قياداتك، وعاش رجالك يا وطن.
مشاركة :