المملكة اليوم تشهد تغييرات تحديثية على كافة المجالات، وبرتم سريع بعيدًا عن الرتم البطيء المعهود عنها سابقًا، وبخطوات في منتهى الجراءة وكذلك الثبات، وهذا ما أحدث ردة فعل بهرت بنجاحاتها وجرأتها كثيرًا من المراقبين المنصفين في الداخل والخارج. غير أن هناك قضية تم إصلاحها جزئيًا، لكنها ما زال ينقصها بعض المتعلقات، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: لماذا لا تكتمل في هذا العهد الزاهر، وهي المطلب الذي تعارف كثير من السعوديات على تسميته بإسقاط ولاية الرجل على المرأة، وتحريرها من تلك القيود. الشيخ عبد الله بن منيع، وهو من أقدم أعضاء هيئة كبار العلماء، وأكبرهم سنًا، كان قد أفتى بأن (الشريعة لا تُعطي ولاية للرجل على للمرأة إلا فيما يتعلق بإبرام عقد الزواج). أي أن تلك الولاية هي فقط الولاية الوحيدة للرجل على المرأة، وما عداها مصدرها العادات والتقاليد الموروثة وليست الشريعة، فلماذا لا يتم اكتمال مسيرة إعطاء المرأة حقوقها الكاملة غير منقوصة. الملك سلمان، وهو المعروف بأنه لا يخاف في الله لومة لائم، أقدم -حفظه الله- على تقويم وتحديث قضايا مجتمعية، هي أخطر وبكثير من هذه الشؤون، ولا سيما أن هذه القضية تحديدًا أصبحت من أهم مطالب المرأة السعودية المعاصرة، التي تؤدي إلى رفع الظلم عنها، وترسيخ استقلالها، وتحرير حقوقها من تعسف الرجل، فضلاً عن أنها تشوه اكتمال الصورة الحداثية الجديدة للمملكة في الخارج. هناك قضيتان على وجه التحديد ما زالتا كما هما لم تتغيرا حسب علمي ولم يشملهما التقويم، الأولى حق المرأة البالغة الرشيدة في السفر متى أرادت، إن لم يكن هناك ما يمنعها من السفر لأمور محض قانونية. فحسب التعليمات المبلغة لأجهزة الجوازات في المنافذ البرية والبحرية والجوية، لا يسمح لها بالسفر إلا بموافقة ولي أمرها، والدها أو زوجها أو أخيها، أو حتى ولدها ولو كان مراهقًا، وفي الوقت نفسه هي محل ثقة الدولة في وظيفتها الحكومية، كأن تكون -مثلاً- عضوًا في مجلس الشورى، تضطلع بمسؤوليات إصدار الأنظمة والموافقة عليها، فكيف بالله عليكم نثق فيها، وفي رؤيتها في هذه المسؤوليات الجسام، وننزع منها الثقة في أمور أقل من ذلك بكثير؟ القضية الثانية حق السجينة في إطلاق سراحها من السجن، إذا اكتملت مدة محكوميتها، دون شرط أن (يتسلمها) ولي أمرها الرجل، وهذه القضية بالذات هي من ألح المُلحات، فكثير من النساء السجينات، يتعمد وليها أن يبقيها سجينة، ويرفض تسلّمها، بل إن بعضهم يتمنى لو أنها تموت، لا أن تتحرر من السجن. والسؤال الموضوعي هنا: طالما أنها استوفت حكمها الشرعي بالسجن، فلماذا تعطي السلطات لهذا الولي المتعسف حقًا من شأنه إضافة عقوبة أخرى لسجنها الذي أقره القضاء؟ إنني هنا أطرح هذه القضية، وكلي أمل في خادم الحرمين -حفظه الله- بأن يكلف من يراه لدراسة هذه القضايا، وخصوصا هاتين القضيتين اللتين أشرت إليهما هنا. إلى اللقاء
مشاركة :