"بائعة الخبر" قصتان في كتاب واحد للطفل، للكاتبة المصرية ثريا عبدالبديع، والكتاب صادر عن دار المعارف بالقاهرة عام 2017، ويخاطب المرحلة العمرية من 9 - 12 سنة، وتدور القصة الأولى "بائعة الخبر" حول أخوين صغيرين يتشاجران على استخدام جهاز الكمبيوتر، حيث عادل يريد مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة، وطارق يرفض ترك الجهاز لأخيه. وبعد سجال طويل يخرج طارق من المنزل غاضبًا فيقابل بائعة الخبز، وكانت طفلة صغيرة بالمرحلة الإعدادية، ويتيمة، وتعمل لتنفق على نفسها، وتدخر أيضًا لشراء جهاز كمبيوتر حتى تستخدمه في المذاكرة، شعر طارق بأنه في حال أفضل، ولا يجب عليه أن يتشاجر مع أخيه، وعليه أن يقبل فكرة تقسيم الوقت بينهما، وقرر العمل مثل بائعة الخبز حتى يشتري لنفسه جهازًا جديدًا من ماله الخاص. أما القصة الثانية فبعنوان "قصيدة فوق الحائط" وتدور حول كيفية جذب الأطفال للعلم والشعر، عن طريق المشاركة واستخدام الطرق التربوية الحديثة. ويمكن القول بأن القصتين من الناحية الفنية تميزتا بسهولة اللغة، وقوة التعبير، حيث تم استخدام مفردات لغُوية تناسب قاموس الطفل، وذات دلالات معبرة عن الموضوع، وكانت ملامح الشخصيات واضحة، والحبكة متماسكة، ومشوقة، علاوة على بعض القيم التربوية منها ما يلي: • قيمة العمل: في القصة الأولى "بائعة الخبز" تتحرك الكاتبة في إطار تربوي شيق، من خلال بث قيمة العمل في نفوس الصغار على اعتبار أنه الوسيلة المثلى لتلبية الرغبات، وهذه الثقافة مطلوبة، لأن أهميّة العمل تكمن في أنّه الحالة التي تُعبّر عن مدى جدوى الإنسان في الحياة، حيث يتجلى دوره في أنه يضمن للفرد تحقيق ذاته، وينفع الأسرة، وينمي الأوطان، كما أنّ تقدم المُجتمعات لا يحدث بغير العمل، واليد التي لا تعمل لا تستطيع جلب قوت يومها، أو متطلبات الحياة ككل، فالعمل هو الفيصل بين الخامل والنشيط، ولا بد أن ينشأ الفرد من صغره على حب العمل، لأنه السبيل الوحيد لحفظ كرامته، وتلك القيمة برزت في الطفلة الصغير التي تبيع الخبز من أجل الحياة. • التناص مع الدين الإسلامى: تتناص القصة من حيث المعنى مع القيم الإسلامية حيث حثنا الإسلام على العمل فقد قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة: آية 105) وفي السنة النبوية المطهرة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". ومن ثَمِّ تعد القصة ذات دلالات متنوعة تفيد المجتمع في بناء عقول الأطفال عبر بث قيم نافعة. • مشكلة الفقر: تطرح القصة أيضًا مشكلة الفقر بصورة غير مباشرة، وتبدو ظاهرة عمل الأطفال من أعراض هذه المشكلة، فإن كانت للعمل أهمية فيجب أن يكون ذلك العمل في حدود طاقة الطفل الجسدية، حتى لا يتسبب العمل الشاق في إلحاق الأذى بالصغار، فلا بأس من تدريبه على تحمل المسؤلية في حدود قدرته، وبما لا يؤدي إلى حرمان الأطفال من التعليم؛ حيث إن بعضهم قد لا يستطيع إكمال تعليمه نتيجة العمل. كما أن التعرّض لظروف العمل الصعبة يُسفر عن المشاكل النفسية، والجسمية، والعقلية للطفل. ويحرمه كل ذلك من التمتع بطفولته كباقي أقرانه. • قيمة التحفيز في التعلم: في القصة الثانية "قصيدة فوق الحائط" تطرح المؤلفة أهمية استخدام أسلوب التحفيز في التعليم، بعيدًا عن أسلوب الحفظ والتلقين، لأن عملية التحفيز لها دور مهم في زيادة الدافع لدى الطلاب، وحث مواهبهم على النمو، وتنمية الاتجاهات الفكرية والإبداعية لديهم. وإذا كان الإنسان بصفة عامة يحتاج إلى التحفيز، فمن باب أولى تحفيز الأطفال حتى نشجعهم على تحقيق التفوق منذ الصغر. يتمثل الأثر الإيجابي الذي يتركه التحفيز في نفسية الطالب بأنه يمنحه الشعور بالارتياح والرضا، والتميز، وهذا الشعور يجعله واثقا من نفسه، ومتفائلا بأن غده سيكون أفضل. ولا يقتصر أثر التحفيز على الجانب النفسي فقط، ولكنه يؤثر بشكل كبير على الجانب التربوي، حيث يدفع الطالب للسعي نحو التفوق، للمحافظة على مستواه العلمي، وحدث هذا المعنى في القصة الثانية بشكل سلس، عندما تحول الطالب الكاره للشعر والتعلم إلى طالب مجتهد بسبب قيام المعلمة بغرس قيمة المشاركة والتحفيز في وجدانه. تؤكد القصة أن الإنسان عدو ما يجهله، وأنه لا يوجد مستحيل أمام قوة الإرادة، فالقوة الكامنة بالبشر تحتاج من ينقب عنها ويبرزها، وهذا دور المعلم الواعي الذي يتعامل مع التعليم على أنه رسالة سامية. لقد طبقت المعلمة المحبة لعملها كل الأساليب التربوية بأمانة حتى حولت التلميذ الكسول، إلى طالب محب له للتنوير، وأطلقت المعلمة المجتهدة الطاقة الكامنة لدى الصغير عندما وضعت يديها على لب القضية، وهي أن التعليم يحتاج نماذج تؤمن بما تقوم به حتى تبدع في بناء الأمم.
مشاركة :