قمعت السلطات الإيرانية الاحتجاجات التي اندلعت في مناطق عدة بشرق البلاد، وحاصرت الميادين الكبرى بالمدن، أمس، تحسباً لاندلاع تظاهرات جديدة ضد تردي الأوضاع المعيشية والغلاء، لكن الاضطرابات والمطالبات الجماهيرية بكف النظام عن تبديد الأموال الإيرانية انتقلت إلى الغرب، خصوصاً مناطق الأقليات القومية. مع تنامي احتجاجات شعبية ضد تردي الأوضاع المعيشية في إيران، بالتزامن مع ذكرى «الحركة الخضراء»، قامت القوى الأمنية بالانتشار ومحاصرة معظم ميادين المدن الكبرى في شرق البلاد لقمع أي تظاهرات، على غرار ما جرى أمس الأول من تجمعات مناهضة للرئيس حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي وسياستهما الداخلية والخارجية. طهران ومشهد وأغلقت القوى الأمنية معظم الميادين التي قام ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي بالدعوة لـ «التظاهر والانتفاضة ضد السياسة الإيرانية» فيها بالمدن الكبرى، خاصة مدينتي طهران ومشهد ومنعوا التردد على بعض الشوارع القريبة منها، وفرقوا أي تجمع يزيد على خمسة أشخاص، مدققين في هويات المارة والسيارات. منع تجمعات اصولية وفي مؤشر على حجم التوتر، لم تكتف العناصر الأمنية بقمع تجمعات الشباب أو الإصلاحيين، بل امتد المنع لتجمع أصولي دعي له اعتراضا على حرق «حسينية دركة» التاريخية شمالي مدينة طهران من قبل مجموعة «ري استارت» المعروفة بـ «عبدة الشيطان». وأكد أحد الذين شاركوا في اجتماع للجنة الأمنية لمدينة طهران ليل الخميس - الجمعة أن بعض أنصار الأصوليين و»الباسيج» (التعبئة الشعبية) كانوا قد طالبوا بالتظاهر بعد صلاة جمعة أمس في مدينتي طهران ومشهد دعما للنظام، لكن المجلس الأعلى للأمن القومي ووزارة الداخلية طلبا من جميع المحافظين منع أي تجمع، لأن التجمعات الأخرى كانت مفترضة أن تكون ضد الغلاء فقط، لكن البعض استغلوها لرفع شعارات ضد المرشد وأركان النظام، ليعيدوا الى الأذهان أحداث احتجاجات «الحركة الخضراء» عام 2009 في البلاد. احتجاجات الغرب ولم يمنع قمع المدن الشرقية والتدابير الأمنية، التي اتخذها النظام على مستوى البلاد، تظاهر عدد غفير من الإيرانيين في غرب البلاد، خاصة مدن كرمانشاه وسنندج الكرديتين ومدينة خرمآباد ذات الأكثرية من القومية اللر وخرمشهر ذات الأكثرية القومية من العرب، إضافة إلى تظاهر مالكي السفن الصغيرة في مدينة بوشهر، واستمرار احتجاج سائقي الشاحنات في مدينة زنجان. وسبب تظاهر مالكي السفن الصغيرة في مدينة بوشهر كان قرار الحكومة إلغاء قانون يسمى قانون «تحت لنجي» الذي كان يسمح للملاحين ومالكي السفن الصغيرة بإدخال كميات صغيرة من البضائع إلى البلاد بعد كل سفرة يقومون بها دون دفع الجمارك، على أساس أنها هدايا يحملونها لأصدقائهم ولذويهم. وتكرر الأمر نفسه بمدينة زنجان مع سائقي الشاحنات، حيث أغلق احتجاجهم المدينة لليوم الثاني على التوالي. أما في كرمانشاه وسنندج وخرمآباد، فإن التجمعات كانت على خلفية رفض قانون إلغاء «رخص الحمالين» الذي كان يسمح للمواطنين الساكنين على الحدود بحمل ما يستطيعون حمله على ظهرهم من البضائع ونقله من العراق إلى إيران. واندلعت تظاهرات خرمشهر، التي تعد امتدادا لاحتجاجات مدينة الأهواز والمدن العربية الأخرى، على خلفية قرار الحكومة بتشييد 10 سدود جديدة على نهر كارون. وأفاد شهود عيان في مدينتي كرمانشاه وسنندج بأن المتظاهرين تصادموا مع القوى الأمنية بسبب محاولة الأجهزة الأمنية اعتقال بعض المحتجين، وتحولت على أثرها شعارات التظاهرات من تظاهرات تطالب بحقوق مسلوبة للمواطنين إلى تظاهرات ضد الحكومة والنظام. ونزل ما يزيد على 1500 شخص إلى الشوارع في مدينة شيراز، رافعين يافطات اعتراضا على الأوضاع الاقتصادية والغلاء بالبلاد في مسيرة صامتة. تصدّ صارم في هذه الأثناء، شدد نائب محافظ طهران، على أنه سيتم التعامل بحزم مع أي تجمعات غير مرخص لها في ساحات العاصمة. وأفاد حسن حيدري، مدير محكمة الثورة في مشهد التي شهدت احتجاجات كبيرة أمس الأول، أن الأجهزة الأمنية أمرت بحبس 52 شخصا شاركوا في التظاهرات التي تخللتها مناوشات مع الشرطة، تمهيدا لاتهامهم بإثارة الشغب وتخريب الممتلكات. وذكر أن القوى الأمنية أفرجت عن بقية المعتقلين. وجاء إطلاق المحتجين بعد أخذ تعهد وكفالات منهم بعدم تكرار ما قاموا به، وفق ما أفاد بعض المفرج عنهم لـ «الجريدة». ذكرى وانقسام وتشهد البلاد ظروفا أمنية حذرة، خاصة أن الأصوليون كانوا يخططون للقيام بمسيرات داعمة للمرشد والنظام في ذكرى قمع «الحركة الخضراء» ضد نتائج إعادة انتخاب الرئيس السابق أحمدي نجاد، والتي تصادف اليوم. وانقسم السياسيون في البلاد بين من اعتبروا أن التحركات والاحتجاجات المتصاعدة تعتبر «فتنة جديدة ومؤامرات داخلية وأجنبية يجب التصدي لها بحزم»، مثل قائد الأركان العامة للجيش العميد محمد باقري، ومساعد رئيس الجمهورية اسحق جهانغيري من جهة، وقسم آخر مثل النواب محمود صادقي الإصلاحي المتشدد، وعلي مطهري الأصولي المعتدل وأحمدي نجاد، ومصطفى ميرسليم مرشح الأصوليين للانتخابات الرئاسية الأخيرة، الذي يمثل تجار البازار وحزب المؤتلفة، وأحمد علم الهدى مندوب الولي الفقيه في مدينة مشهد، وأبوزوجة إبراهيم رئيسي، مرشح الأصوليين للانتخابات الرئاسية وسادن حرم الإمام الرضا، الذين اعتبروا أن الاضطرابات كانت متوقعة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، وطالبوا الحكومة والنظام بأن يسمعوا «صوت الشعب». فقدان الشعبية ودعا أحمد علم الهدى رجل الدين البارز في مشهد، التي تعتبر واحدة من أقدس الأماكن لدى الشيعة، قوات الأمن إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد من وصفهم بـ «مثيري الشغب» وقال إن قوات الأمن إذا تركت المتظاهرين وشأنهم فإن «الأعداء سينشرون تسجيلات وصورا في إعلامهم، ويقولون إن نظام الجمهورية الإسلامية فقد قاعدته الثورية في مشهد»، بعد أن أظهرت مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي متظاهرين يهتفون قائلين «الموت لروحاني» و»الموت للدكتاتور» خلال احتجاجات أمس الأول. بدورها، حثت زعيمة المعارضة في المنفى، مريم رجوي، الإيرانيين على دعم الاحتجاجات وتوسيعها ضد حكومة البلاد. وحرضت رجوي «جميع المواطنين الإيرانيين وخاصة الشباب، على دعم الانتفاضة لإسقاط نظام الملالي». وادعت رجوي أن ثروات وعوائد البلد «تُستنزف للأجهزة العسكرية والأمنية من قبل قادة النظام».
مشاركة :