جان لوكليزيو يُمزق الفكرة الضيقة للهوية

  • 12/30/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» في مرحلة مبكرة من حياته «1967» قدم أديب نوبل الكاتب الفرنسي جان ماري جوستاف لوكليزيو نقداً جذرياً للحياة، وما يحوطها من أفكار فلسفية كبرى، في كتابه الشائك «النشوة المادية» ومؤخراً تصدى الكاتب لطفي السيد المنصور، لترجمة هذا المؤلف، ليصدر في طبعة عربية، عن دار «العربي للنشر والتوزيع» في القاهرة.«لوكليزيو» متشابك الجذور بين الأم الفرنسية والأب البريطاني، ظل طوال عقود، يبحث في هويته الملتبسة، وربما كان هذا الالتباس، نقطة انطلاقه في مؤلفه «النشوة المادية»، الذي بدأه بلحظة غامضة، هائمة، مبذورة في جسد الآخرين، وربما في جسد الأشجار، الحيوانات، لحظة ما قبل وجوده، أراد أن يقبض عليها كي يصل إلى هويته الضائعة: «حينما لم أكن قد وُلدتُ بعد، عندما لم أكن قد أغلقتُ بعد حياتي في شكل حلقة، عندما لم يكن لدي ماضٍ، ولا حاضر ولا مستقبل، لم أكن ميتاً، لم أكن على قيد الحياة، أنا لست موجوداً سوى في جسد الآخرين، في أي لحظة بدأت الدراما بالنسبة لي؟ في أي جسد رجل أو امرأة، في أي نبات، في أي قطعة من صخرة بدأت ركضي نحو وجهي؟». المصير لم يكن مصيره، بل صنعه الآخرون، لذا فهو يؤكد أنه ليس وحيداً؛ لا يوجد، جسمانياً، عقلياً، أخلاقياً، إلا لأن ملايين من الكائنات توجد ووجدت من حوله، ناهيك عن أولئك الذين سيأتون، يدين لهم بكل شيء: اسمه، عنوانه، أنفه، بشرته، أفكاره بالغة السرية، أحلامه، وحتى مكان وساعة موته: «البشر عند ولادتي، خدموا مصيري، إنهم من صنعوني؛ محددون، واضحون، مسموعون، حاضرون، إنهم بداخلي، إنهم من خلقوني، أدين لهم بكل شيء».يُمزق «لوكليزيو» الفكرة الضيقة للهوية، المثبتة في أوراق ظلت تؤرقه طوال حياته، ويتجه لفكرة أوسع، حيث يترك نفسه لهذا الكون «المعصوم من الخطأ» سائحاً ومستغرقاً في أدق التفاصيل، دون أن يتمكن من الخروج من هذا النظام: «لا يمكن الخروج من النظام، لا يمكن الانسحاب، لا يمكن المغادرة، ما كنا لنجد إلاّ ما قد كان، لا شيء آخر غير ما قد كان».ومن هنا كان نقده صارخاً للمفهوم التقليدي للمثقف، ودوره الذي يراه هزيلاً فقيراً أمام فدح الحياة، حيث يرى أن اختزال مفهوم الثقافة في مجرد فعل الفنون، ليست سوى الوجه الآخر للجهل، فالمثقف بالنسبة ل«لوكليزيو» هو إنسان قبل أي شيء، الثقافة لا شيء؛ إن الإنسان كل شيء، في حقيقته المتناقضة، في حقيقته متعددة الشكل والمتغيرة، أولئك الذين يعتقدون أنفسهم مثقفين، لأنهم يعرفون الأساطير الإغريقية، علم النبات أو الشعر البرتغالي، يخدعون أنفسهم. متجاهلين المجال اللانهائي للثقافة، لا يعرفون حقاً الشيء العظيم بداخلهم: «هذه الأسماء الغريبة والشاذة التي يصرخون بها في مناقشتهم تستفزني، ثراؤهم المزعوم ليس سوى فقر يتخفى». يترك «لوكليزيو» الفقر الثقافي، ليتأمل في وجه امرأة ناضجة: «أحد هذه الوجوه المصنوعة بإتقان، المفكرة، ذات شعر غزاه الشيب، ذات تجعدات كلها في موضعها، وكأنها مرسومة وفقاً لنموذج مجهول وقديم جداً» يتأملها ويقول لنفسه: «من فعل إذاً ما هي عليه؟ من يمنح هذا الوجه السلام، من يحافظ عليه أي إرادة خفية، محيط من الأسلاك يحفظ كل هذه الملامح في هذا النظام، لكن بكل تأكيد إنها ليست إرادتها هي، هذه المرأة عديمة الأهمية، لا يمكن أن تغادر، وتعرف ذلك، حتى أثناء الموت، حتى وهي تلقي نفسها من الشرفة، سيوجد دائماً، من أجل لعنتها، يد قد تدفعها، والدراما تتدحرج باتجاه نهايتها، باتجاه ما اختاره الآخرون دون التفكير فيه». ولد جان ماري جوستاف لوكليزيو في 13 إبريل 1940 في مدينة نيس الفرنسية، قام بالتدريس في جامعات في بانكوك وبوسطن ومكسيكو سيتي، واشتهر بعد نشر رواية «صحراء» عام 1980، وفي العام 2008 أعلنت الأكاديمية السويدية فوزه بجائزة نوبل في الآداب، وقالت في تقريرها عن روايته «صحراء»: «إنها تقدم صوراً رائعة لثقافة ضائعة في صحراء شمال إفريقيا».

مشاركة :