تبدو الدول الخليجية الأكثر قدرة وحرية على اتِّخاذ مواقف لصالح القضية، بل إنها قادرة على التأثير في صناعة القرار الأميركي.العرب خالد عمر بن ققة [نُشر في 2017/12/30، العدد: 10856، ص(6)] لم يكن تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف المساعدات عن الدول التي ستصوت ضد قراره بشأن نقل سفارة بلاده إلى القدس خطابا للضغط، بل هو هدف يسعى إليه ضمن خطة واضحة، تُشرِّعُ له عبر الكونغرس ما سيقوم به لاحقا، وهو بنظرة رجل المال والأعمال يَزِن القرارات والمواقف السياسيّةـ رفضا أو قبولاـ بميزان المصالح الاقتصادية، وهو بذلك يتجاوز مرحلة الضغط على الدول المؤيدة أو الحليفة إلى جعلها دولا تابعة للولايات المتحدة ومنفذة لسياستها، وهو ما يمكن أن نستشف من قوله “هناك دول تأخذ المال الأميركي ثم تُصوِّت ضد واشنطن في مجلس الأمن.. سنعمل على توفير المليارات من الدولارات من وقف الدعم الذي نقدمه”. وعلى الرغم من أن تهديده لم يأخذ على محمل الجد، ظاهريا، من معظم الدول التي تتلقى مساعدات سنوية من الولايات المتحدة ومنها الدول العربية، إلا أنه يثير مخاوف خاصة لدى الدول التي تُعاني من أزمات اقتصادية ومشكلات اجتماعية وفوضى وعدم استقرار، على خلفيّة التطورات الجارية في تلك الدول منذ نهاية العام 2010 وهي لا تزال متواصلة، ومرجح أن تطال دولا عربية أخرى في المستقبل المنظور، خاصة بعد رفع الدعم عن المواد الغذائية والأدوية والطاقة.. إلخ. لذلك كلّه، يتوقع مراقبون تراجع بعض الدول العربية ذات الحاجة المباشرة للمساعدات والمعونات الأميركية، عن قرارها لجهة رفض نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، سيكون في البداية سراّ، ويتم ذلك من خلال إفراغ ردود أفعال الشعوب العربية من محتواها، انطلاقا من الرهان على التخفيف من حدة الانفعال والتعاطف مع القضية عبر المراهنة على عامل الزمن، ويذهب محللون آخرون إلى توقع الأسوأ، حيث ستنقل بعض الدول العربية في المستقبل سفاراتها إلى القدس، بنفس الطريقة التي تم بها التعامل مع إسرائيل بعد معاهدة السلام بينها وبين مصر. الواقع أن التَّوقع السابق هناك ما يبرره من الناحية العملية استنادا إلى مخاوف مشروعة من رد فعل ترامب، الأمر الذي سيؤثرعلى الجبهة الداخلية للدول المعنية. صحيح أن المساعدات الأميركية لا تساعد، على سبيل المثال، في نقص عجز الموازنة العامة، أو تقليص البطالة، أو التخفيف من المخاطر الناجمة عن سوء الحالة الاقتصادية كالجريمة بشكل عام والإرهاب بشكل خاص، ولكنها تُسْهِم في أمرين، الأول: إحساس الدول الممنوحة أنها مرضي عليها أميركيا حتى لو أبدت خلافا مع واشنطن أو عدم موافقة وتأييد لمواقفها وقراراتها. والثاني: أن المؤسسات الرسمية، وفي بعض الدول أفراد، تستفيد من تلك المعونات والمساعدات، وليس شرطا أن تعود بالنفع على الشعب. المهم أن هناك مخاوف عربية من قراري ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس، ومنع الدعم على الدول الرافضة للقرار، وبالطبع تلك المخاوف تختلف في درجتها من دول عربية إلى أخرى، وهي ذات صلة بحجم المساعدات الأميركية من جهة، ومن جهة أخرى بمدى حاجة الدول إليها، وإن كانت هناك مخاوف آتية من حسابات أخرى متعلقة بالصراع الإقليمي والدولي ومناطق النفوذ، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة على الأمنين الوطني والقومي. المهم أن العامل الاقتصادي يعتبر عامل حسم لجهة استمرارية العلاقة من عدمها بين الإدارة الأميركية الحالية والدول العربية. لنتعمَّق في فهم الموضوع أكثر يمكن قراءة ما نشرته “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”، ومنها الخاص بالمنطقة العربية حيث تلقت 20 دولة عربية، منضوية تحت لواء جامعة الدول العربية، الدعم من واشنطن، وفق إحصاءات عام 2016، نذكر هنا الدول الأربع الأكثر حصولا على المساعدات الأميركية، وتشمل الأولى كلا من: أولا: العراق (5.28 مليار دولار)، منها: 4.8 مليارات للدعم الأمني والعسكري ما نسبته 89 بالمئة من إجمالي المساعدة، و369 مليونا للمساعدات الإنسانية الإغاثية، منها 86 مليونا للمساعدات الغذائية العاجلة، بينما حصلت النفقات الإدارية على دعم 10 ملايين دولار، عِلْما بأن الدعم الأميركي للعراق عام 2001، عندما كان صدام حسين لا يزال في الحكم، لم يتجاوز 181 ألف دولار، ثم قفز عام 2006، أي بعد ثلاث سنوات على احتلال القوات الأميركية للعراق، إلى 9.7 مليارات دولار، في أعلى نسبة على الإطلاق بين الدول العربية خلال السنوات الماضية. ثانيا: مصر (1.23 مليار دولار)، خصص حوالي 1.1 مليار للدعم العسكري والأمني، أي ما نسبته 89 بالمئة من إجمالي المساعدات، و11 بالمئة المتبقية اتجهت إلى المجال التنموي، حيث لم تتجاوز المساعدات الخاصة بالتعليم 37 مليون دولار، والإنسانية 26 مليون دولار، بينما بلغ الدعم المخصص للنمو الاقتصادي 45 مليون دولار. ثالثا: الأردن (1.21 مليار دولار)، خصصت 510 ملايين دولار منها للدعم الأمني والعسكري، و213 مليون دولار للموازنة العامة، و188 مليون دولار للخدمات الإنسانية الإغاثية، و82 مليون دولار للتعليم، و60 مليون دولار للمجال الصحي، وكما هو مبيّن فقد مالت المساعدات نسبياّ لصالح الدعم التنموي على الدعم العسكري. رابعا: سوريا (916.4 مليون دولار)، قدّرت المساعدات الإنسانية الإغاثية منها بـ471 مليون دولار، و320 مليون دولار للمعونات الغذائية العاجلة، و20 مليون دولار لبرامج إغاثية متعددة، بينما كان نصيب “المشاركة الديمقراطية والمجتمع المدني” 1.8 مليون دولار، ورغم أن واشنطن قدمت 94 مليون دولار في المجال الأمني، إلا أنها قالت إن “كل دعمها لسوريا كان مُخصَّصا للمجالات التنموية”. كما نلاحظ في أرقام المساعدات الأميركية للدول العربية فإنه ليس في مقدور جميع تلك الدول الاستغناء عن المساعدات، وهذا يعني أن عليها البحث عن صيغة ترضي بها الإدارة الأميركية بقيادة ترامب، خاصة في موضوع القدس، وتبدو الدول الخليجية الأكثر قدرة وحرية على اتِّخاذ مواقف لصالح القضية، بل إنها قادرة على التأثير في صناعة القرار الأميركي وهذا على عكس ما يروج في وسائل الإعلام العربية، غير الخليجية، من أنها في تحالف مع الولايات المتحدة يحول دون تبنِّيها لأيِّ موقف يخالف ما يريده ذلك الحليف. كاتب وصحافي جزائريخالد عمر بن ققة
مشاركة :