إدارة مشروع مدينة تونس الاقتصادية تلكؤ الحكومة الحالية في إنهاء الجدل حول “مشروع القرن” واتخاذ قرار بشأن تدشين هذا الاستثمار الضخم والمفترض أن يقام بمدينة النفيضة التي تبعد نحو مئة كلم جنوب العاصمة. ورغم أن الحكومة بقيادة يوسف الشاهد نجحت قبل أشهر في اعتماد قانون جديد للاستثمار لتشجيع رجال الأعمال على ضخ استثمارات بالبلاد، لكن من الواضح أن هناك عراقيل تقف حجرة عثرة أمام المشروع. وما يدعو إلى الاستغراب أن الأرض التي ستبنى فوقها المدينة جاهزة، أي أنه لا مشكلة فنية تعيق التنفيذ، وبالتالي فإن تشييدها يبقى رهين موافقة المسؤولين الذين يتمسكون بقوانين بالية تمنعهم من إلقاء نظرة على النماذج الناجحة في العالم مثل المغرب. وقال رياض التوكابري الرئيس التنفيذي للمشروع في تصريح خاص لـ“العرب” من ليبيا إن “السطات لم تعط حتى اليوم الضوء الأخضر رسميا للبدء في التنفيذ رغم أن المشروع حصل على الموافقة منذ مايو 2012 من أجل إنجازه”. ووافقت مئة شركة عالمية من ثلاثين بلدا من بينها مجموعات استثمارية خليجية مثل “اندكس القابضة” الإماراتية على المساهمة في المشروع لقناعتها بجدواه الاقتصادية، وهي بانتظار قرار حاسم من السلطات المحلية. وكان الإعلان عن المشروع الذي خصصت له مجموعة من رجال الأعمال العرب والأجانب استثمارات تقدر بنحو 50 مليار دولار، خلال مؤتمر صحافي بتونس عقد في شهر سبتمبر 2014 بعد إعداد كافة الدراسات اللازمة. وأوضح التوكابري أن المطلب بسيط وهو أن تسرع الحكومة باتخاذ قرار سياسي يتبنى المشروع كمنوال اقتصادي حديث سيعزز فرص التنمية بالبلاد.قفزة قياسية للعجز التجاري التونسيتونس – أظهرت بيانات البنك المركزي أمس أن العجز التجاري التونسي قفز إلى مستويات غير مسبوقة بنحو 23.5 بالمئة على أساس سنوي خلال أحد عشر شهرا من العام الجاري. وتشير البيانات إلى أن العجز التجاري بلغ 14.36 مليار دينار (5.81 مليار دولار)، وهو مستوى قياسي لم تشهده تونس في تاريخها. وتأتي هذه المؤشرات المفزعة فيما تحاول الحكومة كبح انفلات الواردات وخاصة تلك القادمة من الصين وتركيا. واعتمدت موازنة 2018 تدابير حمائية من أهمها فرض رسوم جمركية على الواردات من تركيا بنسبة تصل إلى 90 بالمئة. واستغلت تركيا اتفاقية التبادل الحر التي أبرمتها مع تونس في نوفمبر 2004، لكن تونس جمدت مؤخرا الاتفاقية لمدة خمس سنوات. وأصدر المركزي الشهر الماضي أوامر للبنوك المحلية بوقف تمويل واردات نحو 220 منتجا من الأسماك إلى العطور مع سعي البلاد لتقليص العجز المتفاقم والذي تسبب في تبخر جزء من احتياطات العملة الصعبة. وتسجل تونس أكبر عجز تجاري مع الصين إذ بلغ 1.3 مليار دولار، تليها تركيا بنحو 525 مليون دولار وروسيا بنحو 372 مليون دولار. ويقول محللون إن نمو الواردات بهذا الشكل كان نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة لا سيما في ما يتعلق بالرسوم الجمـركية، مـا أدى إلى تسـويق حصة كبيرة من السلع المهرّبة في السوق المحلية، مما انعكس سلبا على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي. وقال “ما نحتاجه هو توقيع اتفاقية مع الحكومة ضمن شراكة بين القطاعين العام والخاص تنفيذا لتوصيات المؤتمر الدولي للاستثمار المنعقد في نوفمبر العام الماضي”. ويعتبر رجل الأعمال التونسي المدينة مشروع القرن لتونس قياسا بحجم الاستثمارات المالية المرصودة لتشييدها ما سيمكن البلاد من تحقيق قفزة عملاقة في العقود المقبلة نظرا لموقعها الاستراتيجي. ويرى أنه في حال تمت الخطوة بنجاح، فإن انعكاساتها ستكون كبيرة على تونس من خلال تعزيز موقعها كنقطة ربط مهمة بين الأسواق الأفريقية والأوروبية، وبالتالي تعزيز صادراتها نحو 1.5 مليار مستهلك. ويتمثل المشروع في بناء مدينة ذكية وعصرية ومتكاملة تجمع كافة المرافق على مساحة 90 كلم مربع تقريبا مطلة على البحر الأبيض المتوسط بطول يبلغ 18 كلم وتكون محاذية لمطار النفيضة الدولي. ويعتقد التوكابري أن تقسيم المشروع لمشاريع صغيرة ومتوسطة “سيعيدنا إلى المربع الأول الذي عانت منه الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011”. وذكرت مصادر حكومية لـ“العرب” تعليقا على الموضوع أن موقف الحكومة واضح وهو أن يتم تقسيم المشروع إلى عدة مشروعات وتوزيعها على الولايات التي يركز عليها مخطط التنمية الحالي 2016 - 2020. ولم تشكك المصادر في التداعيات الإيجابية للبلاد من وراء بناء المدينة الاقتصادية، إلا أنها أكدت أن القرار يجب أن تتخذه الحكومة عن قناعة خاصة من حيث عدم تعارضه مع خططها للإصلاح الاقتصادي الذي تقوم به حاليا. وأشار مصدر في وزارة الاستثمار والتعاون الدولي إلى أن تونس ترحب بمثل هذه المشاريع العملاقة، ومع ذلك شدد على أنه لا يجب الإسراع في اتخاذ أي خطوات غير محسوبة خاصة وأن عدة مناطق بالبلاد لا تزال تحتاج إلى التنمية. وتفيد بعض المعلومات التي حصلت عليها “العرب” من مصادر مختلفة بأن رضا السعيدي المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة أكد قبل أشهر أن الحكومة ستوقع مع إدارة المشروع على اتفاقية تخول للمستثمرين البدء في أعمالهم، وهو ما لم يحصل حتى الآن. ويرى اقتصاديون أن ما يحصل مع المشروع هو أحد الأمثلة البسيطة التي تجسد مدى تجذر البيروقراطية في إدارات الدولة وأن سير الإصلاحات بهذه الوتيرة البطيئة لن ينقذ الحكومة من الضغوط المسلطة عليها بشأن الإسراع في تنفيذ خططها على أرض الواقع. وأوضح الخبير أنيس القاسمي لـ“العرب” أن تأجيل مثل هذه المشاريع العملاقة يفوت على تونس فرصة كبيرة من أجل جذب المزيد من الاستثمارات خاصة وأن البلاد في حاجة ماسة إليها لتقليص معدلات البطالة المرتفعة. وأكد القاسمي أن هذا المشروع الطموح سيوسع الآفاق الاستثمارية والسياحية والتجارية أمام تونس خاصة بعد توقيعها على اتفاقية “السماوات المفتوحة” مع الاتحاد الأوروبي في وقت سابق هذا الشهر. وتضم مدينة تونس الاقتصادية ميناء تجاريا في المياه العميقة يشتمل على الخدمات اللوجستية والشحن والتخزين ومدينة صناعية ومنطقة المستودعات الحرة ومنطقة للمعارض والتجارة الحرة ومدينة إعلامية ومدينة طبية وأخرى للأبحاث والتطوير ومدينة لصناعة الأدوية. كما يتضمن المشروع مدينة سياحية تحوي فنادق صممت وفق الطرز المعمارية الحديثة ومدينة سكنية ومراكز تجارية كبيرة ومدينة رياضية وأخرى ترفيهية.
مشاركة :