محمود الزاهي| جاء الحكم الذي أصدره القضاء الإداري قبل أيام بإلزام مجلس الوزراء بمنع هدر المياه أثناء الاحتفالات بالأعياد الوطنية، ليفتح الباب أمام مناقشة الكثير من مظاهر هدر المياه على مدار العام. ورغم وقوع الكويت ضمن دول الفقر المائي الشديد وارتفاع تكلفة تحلية مياه البحر وندرة المياه الجوفية فإن هذا الوضع لا يعد رادعا كافيا للبعض للحفاظ على المياه العذبة واستخدامها وفق الحاجة وفي الأغراض المخصصة لها فقط. وتعتبر عمليات غسل السيارات التي يقوم بها خدم المنازل أحد أبرز مظاهر الهدر المنتشرة في أرجاء البلاد، ويكفي جولة في الصباح على المناطق السكنية لمشاهدة بعضهم، وهم يمسكون بـ«الهوز» لغسل تلك السيارات ومن حولهم تنتشر بقعة مياه كبيرة تشق طريقها إلى الشارع الرئيسي وكأنما نتجت عن انفجار أحد البايبات. وبحسب حالات سابقة تم رصدها فإن البعض لا يكتفي بهدر المياه من خلال الاستخدام المبالغ فيه في غسل السيارات، بل يمتد الأمر لغسل الأرصفة والشوارع المحيطة بالسكن كذلك. أين المسؤولية؟ هذا التعامل غير المسؤول مع المياه العذبة، خاصة إذا عرفنا أن %90 من حالات الهدر تتم لمياه عذبة يسهم بدوره في رفع حصة الفرد الواحد من الاستهلاك اليومي للمياه ليصل بها أحيانا إلى 500 ليتر، وهو رقم يتصادم بشدة مع واقع الفقر المائي الذي نعيشه، إذ تتجاوز تلك الحصة نظيرتها في البلاد الأوروبية التي تشقها العديد من الأنهار على سبيل المثال، وربما بذلك نفهم أحد الأسباب التي تجعل البلاد تحتل المرتبة الثالثة عالميا في استهلاك المياه. أما خسائر هذا السلوك فلا تقف عند حد الهدر، إذ تتجاوزه لتكلف الدولة مبالغ طائلة أخرى تصرف أولا على شبكتي الأمطار والصرف الصحي المسؤولتين عن جمع تلك المياه مرة أخرى بحسب وضع كل منطقة ونقلها إما للبحر أو لمحطات المعالجة. جانب آخر من الخسائر يتمثل فيما تسببه تلك المياه حال وصولها للشارع الرئيسي من إفساد لطبقة الأسفلت الملاصقة لأرصفة الشوارع، وهو ما دعا وزارة الأشغال لاستبدال تلك الطبقة بأخرى من الخرسانة في المناقصات الجديدة لحمايتها من عوامل التأكل بفعل المياه التي تهبط عليها طوال العام. «الكهرباء» تتحرك ميدانيا تسعى وزارة الكهرباء لمحاصرة تلك الظاهرة من خلال ما يقوم به فريق الضبطية القضائية التابع للوزارة الذي يستند في عمله بهذا الخصوص إلى القرار الوزاري الصادر في عهد وزير الكهرباء الأسبق بدر الشريعان، الذي ينص على مخالفة من يقوم بهذا الفعل. ويتدرج القرار الوزاري في أمر المخالفة، إذ ينص على إلزام من يتم ضبطه للمرة الأولى بكتابة تعهد بعدم تكرار الأمر مع دفع كامل مستحقات الكهرباء والماء الخاصة باستخدامه في الحال من أجل التصالح، أما في المرة الثانية فيعطي القرار للجنة العمل بالقانون وتحميل الشخص المخالف غرامة تقدر بضعف استهلاكه من المياه. الحاجة إلى تشريع جهود فريق الضبطية وكذلك حملات الترشيد التي تنظمها الوزارة قللت من حجم انتشار عمليات الهدر، لكنها لم تمنعها، وهو ما يرجعه مسؤولو وزارة الكهرباء والماء إلى أمرين، الأول غياب الوعي لدى مرتكبي هذا الفعل، سواء على مستوى الخدم أو صاحب المنزل نفسه، والثاني هو الحاجة إلى ضرورة وجود نص تشريعي بتجريم هذا الفعل. وأكد مسؤولون أن التشريع سيعطي فريق الضبطية القضائية قوة أكبر من مجرد الاستناد إلى قرار وزاري.
مشاركة :