نتوقع من المجلس الصحي السعودي الاضطلاع بدور أكبر لتنظيم مشاكل التعليم الطبي وعدم تركها لوزارة التعليم
تشير الأرقام إلى وجود حوالي 27 كلية طب أسنان بالمملكة، 19 كلية أسنان حكومية و8 كليات خاصة. والسؤال هنا هل يستوعب سوق العمل هذا الكم من خريجي كليات طب الأسنان؟ وهل يفي خريجو هذه الكليات بما يحتاجه 30 مليون مواطن ومقيم من خدمات طب أسنان علاجية ووقائية وتجميلية؟ أصبحت أكثر قلقاً بعد أن علمت أن عدد المخرجات السنوية لـ 27 كلية طب أسنان سعودية هو 2000 طبيب وطبيبة أسنان، في حين أن عدد الخريجين السنوي لـ66 كلية طب أسنان بالولايات المتحدة الأميركية كان أقل من 4500 في كل من العامين الماضيين. ويجب ألا ننسى أن عدد سكان الولايات المتحدة يزيد عن 323 مليون نسمة والمملكة 30 مليون نسمة. وهنا نرى مقدار التضخم الكبير في أعداد كليات طب الأسنان في المملكة. ومما زادني قلقاً ودهشة أن الكليات الـ8 الخاصة تقوم بتخريج أعداد سنوية تفوق 19 كلية حكومية مجتمعة.
وتشير الأرقام إلى احتمال تخرج أكثر من 9805 أطباء وطبيبات أسنان خلال خمس السنوات المقبلة، منهم 4552 من 19 كلية حكومية و5253 من 8 كليات خاصة. وهذا يعني إحصائيا، أن الكليات الخاصة التي تمثل 30% من مجموع الكليات تنتج حوالي 53% من الحصة السوقية للمخرجات، وهذا دليل على غزارة كبيرة بالإنتاج.
ولكن السؤال الأهم هو جودة المخرجات، فقد سمعنا عن بعض كليات الأسنان التي تُدرِّس بعض الدفعات من الثامنة صباحا إلى الرابعة عصراً، ثم دفعة أخرى من الرابعة عصراً حتى منتصف الليل. ما نعرفه أن تعلم وإتقان الكفاءات السريرية لطب الأسنان يحتاج إلى الكثير من التدريب الجدي والتطبيق العملي المكثف، ووفرة الحالات المناسبة لأهداف ومتطلبات التدريب. وهذا ما تفتقده (بعض) كليات القطاع الخاص، وما هي الفائدة من تخريج طبيب أسنان ترتعد يداه وترتفع نبضات قلبه حين يرى مريضا، وهو غير قادر على تشخيص آلامه أو ترميم أسنانه فيلجأ إلى خلعها.
وعند لقاء خاطف مع أحد مؤسسي طب الأسنان بالمملكة الدكتور عبدالعزيز العجاجي أبدى تخوفه الشديد من مخرجات كليات الأسنان الخاصة، وامتعاضه من الخطر الذي يهدد مستقبل أطباء الأسنان والمرضى في هذا البلد العظيم.
بالإضافة إلى مشكلة الجودة هناك الآن مشكلة البطالة، حيث أعلنت وزارة الصحة السعودية عن 800 وظيفة فقط لطب الأسنان للعام السابق، تقلصت إلى 140 وظيفة لهذا العام، ولن تستطيع الحكومة استيعاب هذه الأعداد الضخمة جداً من الخريجين، ولهذا ظهرت بطالة طب الأسنان على السطح بشكل مقلق بالسنوات السابقة. وقد يستطيع القطاع الخاص استيعاب المنتجات الجيدة من الخريجين والخريجات، أما خريجو (المدارس الليلية) للأسنان وخريجو (ادفع أقساطك وخذ شهادتك) فسيكونون ضحايا لضعف الرقابة والمتاجرة بالعلم، ونرى نتائج ذلك ملياً بالسنوات الأخيرة، بدءاً من حملة الدبلومات الصحية، الذين واجهوا الأمرين نتيجة أخطاء تاريخية لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وكأني أرى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ووزارة التعليم والعمل تنتفضان بعد سنوات لعمل خطة وطنية لإعادة تهيئة هذه المخرجات لسوق العمل، وهذه قصة مكررة، ويجب منع هذه الأخطاء وليس (ترقيعها) بعد خراب مالطا.
استراتيجياً لدينا مشكلتان رئيسيتان مكملتان لبعضهما، الأولى هي جودة المخرجات والثانية هي سَعوَدَة الوظائف وحل مشكلة البطالة، ويجب وضع خطط استراتيجية (بالتأكيد ليست كخططنا الخمسية السابقة) لإحكام القبضة على سوق طب الأسنان السعودي عبر عدة حلول:
1 - تحسين مستوى الرقابة على الكليات وجودة المخرجات، حيث يدل التفاوت الكبير في أرقام الخريجين على أن الكليات الخاصة تخرّج بنظام (الكم) وليس الكيف.
2 - إقفال الكليات المتساهلة في جودة المخرجات لأنها سوف تتسبب بأزمة وطنية على المدى الطويل.
3 - يجب تدخل هيئة مكافحة الفساد في موضوع التعليم الطبي الخاص والحكومي، وإبعاد أصحاب المصالح المشتركة من وضع القرارات الاستراتيجية التي تؤثر على الأمن الصحي السعودي.
4 - يجب على وزارة العمل ووزارة الصحة عدم الرضوخ للضغوط والاستمرار في مشروعهما الرائد في منع تأشيرات أطباء الأسنان.
5 - نتوقع من وزارة الصحة سَعوَدَة قطاع طب الأسنان.
6 - يجب على الهيئة السعودية للتخصصات الصحية عمل إجراء تقييمي شامل وصارم، يراعى فيه التأكد من الكفاءات السريرية للطبيب الممارس، وليس مجرد الاكتفاء باجتياز اختبار كتابي يحتوي على مئة سؤال نظري أو أكثر.
7 - نتوقع من المجلس الصحي السعودي الاضطلاع بدور أكبر لتنظيم مشاكل التعليم الطبي والقصور بالمخرجات، وعدم تركها لوزارة التعليم (الغارقة في مشاكلها).
أخيراً وليس آخراً الحصول على شهادة الطب شعور جميل وإنجاز رائع ولكننا لا نريد أن نرى أطباءنا ينطبق عليهم المثل العربي (من بره رخام ومن جوه سخام) لكي يتربح (تجار المعرفة والشهادات).