نحّات من غزة يبعث روح الجمال في الجذوع الميّتة

  • 1/1/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ما إن يتجول الزائر بين جنبات ورشة هشام كحيل (57 عاماً - من مدينة غزة) الصغيرة، حتى يشتم رائحة الخشب والنشارة، وما إن يحيد نظره إلى زوايا أخرى حتى يرى جذوع أشجار مصفوفة بطريقة جمالية، فيما وضعت بجانبها مصنوعات خشبية بتصاميم ذات أشكال وأحجام مختلفة، مشغولة بدقة. الورشة.. متحف يستخدم هشام كحيل العديد من أخشاب الأشجار المحلية في نحته، منها الزيتون والحمضيات، والسرو الحلبي، واللوزيات، إذ يعتبرها من أفضل الأنواع الموجودة حالياً، إلى حين التمكن من استيراد أنواع أخرى في حال فتحت معابر غزة، لتساعده على تطوير صناعاته، وإنتاج أعمال مختلفة. ويسعى النحات الغزي إلى تحويل ورشته الصغيرة إلى متحف تراثي، يخلد الصناعات اليدوية والشعبية، فهو يؤمن - على حد قوله - بأن «الصناعات الفنية تبقي الذاكرة حية، وتحافظ على ميراث الأجداد أمام العالم». هذه المنحوتات الحرفية هي نتاج عمل النجار هشام كحيل الذي يبعث الروح في جذوع الأشجار الميتة، ويصنع منها تحفاً فنية تلفت الأنظار إليها، إذ ينحتها بطريقة جمالية، ومطابقة في الوقت ذاته للتصاميم العصرية. ويعد النحت على الخشب من أقدم الفنون الجميلة في التاريخ، ومن الصناعات الأولى للإنسان البدائي، واشتهر النحت على الخشب عبر العصور القديمة، إذ زيّن الأبنية المختلفة بالأجزاء الخشبية، سواء كانت حفراً على الخشب، أو نقشاً عليه، أو تلوينه مثل منابر المساجد والصناديق وغيرها، والتي مازال بعضها موجوداً إلى يومنا هذا. احتراف وتركيز «الإمارات اليوم» التقت هشام كحيل، الذي يعمل في مجال النحت والنجارة داخل ورشته الصغيرة بجانب منزله الواقع في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، إذ كان يعمل بهمة ونشاط رغم كبر سنه، ليخيم الصمت على كل من يشاهده، لتعود تمعن النظر في عمله وهو يمرّر الجذع الخام عبر آلة يدوية تعرف بـ«المخرطة»، ليبدأ بعد ذلك عملية تشكيله وفق قياسات وأشكال حددهما مسبقاً، الأمر الذي يتطلب منه أعلى درجات من الاحتراف والتركيز. ويمتهن كحيل النجارة وصناعة الأثاث المنزلي منذ أكثر من 40 عاماً، بعد تخرجه في معهد مهني، إذ كانت مهنته الأساسية، وباب رزق قطعه سوء الأوضاع الاقتصادية منذ الحصار الإسرائيلي، وتبعاته من إغلاق المعابر وانقطاع التيار الكهربائي، ما تسبب في استنزاف المواد الخام والوقود، وعدم قدرته على استيراد أنواع الأخشاب ذات الجودة العالية، ما جعله يحول عمله من النجارة إلى النحت، ليشغل وقته، ويجني ما يعول به أسرته بعد الخسارة الجبرية التي تسبب فيها الحصار على القطاع. تراث فلسطيني ويقول النحات كحيل ونشارة الخشب الزائدة تتطاير على وجهه أثناء قيامه بنحت جذوع الأشجار: «أجلب الخشب ومن ثم أنظفه وأقلمه، لأقطعه إلى أجزاء صغيرة قابلة للتشكيل على آلة المخرطة، وهي ماكينة ابتدعتها لتساعدني في العمل، وتحويل العيدان الصماء والجذوع إلى أشكال فنية تمثل انعكاساً لشخصيتي وعملي الفني، لتمسي قطعاً جمالية تتجانس مع النفس البشرية، إضافة إلى الهدف الأساس من ذلك، وهو الحفاظ على التراث الفلسطيني من الاندثار». ويضيف: «أبدأ برسم التصاميم المطلوبة، قبل البدء بالعمل، وفق قياسات معينة ودقيقة لا أحيد عنها، والتي أستوحي بعضها من التراث الفلسطيني، مثل الأواني الفخارية والأدوات المطبخية كالمدقة والزبدية والقلل، لأشكل منها أواني خشبية تبقى حاضرة على مر الأيام، وتجذب المارة الذين يبدون إعجابهم الشديد بتلك المنحوتات، ويشجعونني على الاستمرار وإنتاج المزيد منها».

مشاركة :