يتحتم على جميع الدول المحيطة بإيران والمنتفعة بسقوط نظام الملالي فيها أن تعمل على التسريع بسقوطه، وذلك لأن في سرعة سقوطه حماية للشعب من بطشه حتى لا تتكرر التجربة الأليمة في سورية في عام 2009 جاءت نتيجة الانتخابات الإيرانية على غير ما يعلم الشعب الإيراني من إرادته، واعتبروا إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد تزويرا لما أودعوه صناديق الانتخاب من أصواتهم، فانتفضوا لأن الديمقراطية التي زعم الخميني أنه قد جاءهم بها، وخسروا من أجلها ما كانوا عليه من الرخاء، وما كانت فيه بلادهم من التقدم الحضاري زمن الشاه، الذي لم يكن ديمقراطيا ولا نزيها في حكمه ولا أمينا على أموال الدولة؛ لكنه مع كل ما فيه كان واحدا فقط؛ وثبت للجماهير أن الثورة قد استَبْدَلَت مستبداً واحداً بعشرات المستبدين الذين يتنافسون في إهلاك أموال الشعب والعبث بمقدرات الأرض حتى فاقوا في جنايتهم على البلاد جناية مئة رجل من أمثال محمد رضا بهلوي. وتمت مواجهة تلك الانتفاضة بالحديد والنار والإذلال بالسجن والاغتصاب، وانتشرت أخبار هذا القمع، وتأكد الجميع في الداخل من كون ما يحدث من الإجرام في حق المتظاهرين حقيقةً مرة؛ أما خارج إيران فتم التعتيم على ذاك الحدث الكبير حتى تمكنت السلطات من القضاء على هذه الاحتجاجات بأسوأ الطرق وأبشعها؛ ولم تقف مع الشعب وسائل الإعلام ولا الحكومات الكبرى التي تراقب حقوق الإنسان في كل بلد، واكتفى الجميع بنقل أخبار تؤكد سوء ما يحدث وأخرى تنفي في تقارير عابرة غير مؤثرة على الرأي العام العالمي أو القرار الأممي. وبعد إخماد هذه الانتفاضة الاحتجاجية بعامين بدأت سلسلة الثورات التي عُرِفت بالربيع العربي في تونس ثم مصر والبحرين وسورية واليمن؛ وبالرغم من أن حكومات هذه الدول لم يكن بينها وبين دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة عداء؛ بل كانت حكوماتها أقرب إلى الوصف بالتابعة منها للاستقلال، ومع ذلك كانت الولايات المتحدة تبادر بمطالبة الحكام بالرحيل «كادت تكون الثورة السورية استثناء، فلم تطالب أميركا برحيل الأسد إلا بعد عدة أشهر»، ويشتغل الإعلام الغربي وتشاركه قناة الجزيرة في دعم هذه الثورات، ونقل أحداثها لحظة بلحظة مع أن الجيش في تونس ومصر والبحرين لم يتدخل، ولم تُقْمَع الحشود إلا لِمَاماً. فلماذا دعمت دول الغرب وإعلامها ومعهم حكومة قطر تلك الثورات وسكتت عن انتفاضة الإيرانيين؟ فإذا كانت الشعوب مقهورة هنا وهناك؛ فإن إيران تعلن عداءها للغرب، وتسمي الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر، وتحتضن بزعمهم مشروعا نووياً؛ فلماذا لم تُدعم ثورة شعبها، ولماذا لم يُطالَب أحمدي نجاد آنذاك بالرحيل؟! تلك كانت إحدى القرائن الكبرى على أن الثورات العربية لم تكن سوى مسرحية كبيرة يراد منها تحطيم البلاد العربية، وتهجير أهلها وقطع أي أمل لها في القوة والعودة والنهوض؛ أما إيران فقد اتضحت حقيقة علاقة الأميركيين والروس بها؛ فهي ذراع فاعل في مشروع الفوضى، وأدت دورها بجدارة في كل مراحله، وأعظمها مرحلة اجتياح سورية والعراق. ثم يسأل أحدهم: لماذا تشجع انتفاضة الشعب الإيراني، والتي ابتدأت السبت الماضي، وكنتَ تمقت الثورات في البلاد العربية؛ أليس ذلك تناقضا في الموقف، وكيلا بمكيالين ونظر بمرآتين؟ والجواب: أن الأمر سيكون كما ذكر السائل لو أن القياس كان صحيحاً، أي لو كانت مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين تشبه إيران؛ عندها يجب اتحاد الحكم في جميعهن؛ لكن الواقع أن إيران تختلف كثيرا عن كل تلك الدول، بل وعن جميع الدول الإسلامية الأعضاء في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي. فإيران دولة ذات مشروع عدواني على دول الجوار، عسكري وعقدي؛ وقد كانت مصر والمملكة العربية السعودية هما الدولتين الوحيدتين في العالم الإسلامي كله اللتين تفطنتا لهذا المشروع منذ قيام الثورة الخمينية؛ ولم تستطع إيران أن تجد لها موطئ قدم في مصر إلا بعد ثورة 25 يناير التي كانت إيران من أوائل الدول المرحبة بها والمشجعة عليها؛ وليس لأي من الدول الإسلامية مشروع عدواني سوى هذه الدولة؛ أما قذافي ليبيا فإنه وإن كان عدواً حقا لبلادي وقيادتها فإنه لم يكن صاحب مشروع، بل كان صاحب نزقات وترهات ستنتهي بموته. وقد واجهت بلادي هذا المشروع الصفوي عسكرياً، فهي تقاتله في اليمن، وتقاتله ممثلاً في عملائه من أبناء شعبها من التكفيريين سواء منهم مَنْ يكفّر الأمة باسم التشيع أو من يكفرها باسم التسنن، فجميعهم جنود لدولة المعممين، تزرعهم داخل بلادنا؛ وتُقارعه في سورية ولبنان؛ بل لم يسلم من شرها الحرم الشريف، والشهر الحرام، والمشاعر المقدسة، حيث بلغ القتلى جراء مؤامراتها في مكة وفي الأشهر الحرم خلال عدة سنوات أكثر من ألفي نفس مؤمنة حاجة معتمرة، ولم تكن مؤامراتها تلك إلا لتحرز في تخطيطها الشيطاني مكاسب سياسية ضد الدولة المحسودة التي حباها الله بخدمة الحرمين. هذه الدولة السعودية السعيدة المحسودة التي يقول الخميني عنها «يمكننا التصالح مع نظام صدام حسين البعثي، ولا يمكننا التصالح مع النظام الوهابي في الرياض»، فتسعى دولة الملالي إلى تطويقها من شمالها عبر سيطرتها على العراق وسورية ولبنان، ومن جنوبها عبر سيطرتها على اليمن والنفوذ في عُمان؛ ومن شرقها عبر نظام قطر، وأيضا عبر طابورها الخامس في البلاد؛ ومن غربها عبر مصر والسودان. وقد أبطل الله تعالى كيدها من جهة قطر والعراق ومصر والسودان؛ بفضله ومنّه ونصره، ثم بسبب السياسات الخارجية المتبصرة وبعيدة المرامي لقيادة السعودية؛ وأبطل الله كيدها في اليمن وشرق البلاد بسبب الحزم الأمني الذي واجهت به الدولة المشروع الحوثي في اليمن وفلول التكفيريين هنا وهناك. فكيف تقاس دولة ذات مشروع يستهدف وجودنا بدول ذات قيادات أحادية تنتهي بنهاية صاحبها. أما مشروع إيران العقدي فهو نقل المسلمين من دين الأمة الواحدة الذي ترك الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام عليه إلى مسلك باطني يهدف إلى جعل القلوب والعقول مُسَخَّرة في كل مكان لخدمة هذا الولي الفقيه القابع في طهران؛ فجندت البعثات وصرفت الأموال لنشر الفكر الباطني الصفوي تحت شعار التشيع ومحبة آل البيت؛ وقد فطنت المملكة المغربية ونيجيريا وماليزيا ثم السودان إلى الحقيقة السياسية وراء هذه البعثات المنافقة، فتم هنالك الوقوف في وجهها؛ ومما يؤسف له: أنه مازالت دول في شرق العالم الإسلامي وغربه لم تتفطن بعد إلى هذا الغزو؛ وليس سوى المملكة العربية السعودية ومؤسساتها الشرعية من يقف الآن في وجهه في كل البلاد. نعم، إن إيران لا يمكن قياسها بأي دولة إسلامية، ولذلك من المنطق والعقل والبصيرة أن تختلف نظرتنا إلى الثورة الشعبية، فنؤيدها في إيران، ونرفضها في غيرها. إن سقوط المشروع الصفوي الذي يقوم به نظام إيران ضروري للمنطقة بأسرها، وأَنْ يسقط على يد أبناء إيران خير من أن ينقضي الدور الذي فرضته حكومة العالم الخفي للملالي ثم يسقطوه تحت استعمار جديد كما فعلوا في العراق، أو فتنةٍ لا ينطفئ أوارها كما هو حاصل في سورية وليبيا؛ لذلك أرى: أنه يتحتم على جميع الدول المحيطة بإيران والمنتفعة بسقوط نظام الملالي فيها أن تعمل على التسريع بسقوط النظام، وذلك لأن في سرعة سقوطه حماية للشعب من بطشه حتى لا تتكرر التجربة الأليمة في سورية. وكنتُ قد سئلت في إحدى الفضائيات قبل عام عن رأيي في دعوة الإيرانيين إلى الانتفاض ضد حكومتهم، فأجبت بأن ذلك مشروط بمقدرتنا على حمايتهم، فلا يصح أن ندعوهم إلى الثورة وليس في أيدينا قدرة على بذل الحماية لهم من البراميل الحارقة والقتل بالجملة الذي لا نشك في أن هذا النظام سيفعله ضدهم. أما الآن وقد قرر الشعب أن يعود إلى الوراء أربعين سنة، ويكرر تجربته التي خلع بها الشاه، وأقام فيها هذا النظام عبر الثورة والخروج إلى الشارع؛ فهو اليوم يريد أن يسقطه بالطريقة نفسها التي أقامها فيها؛ أقول: إذا قرر الشعب الإيراني ذلك دون أن نحرضه فنتحمل مسؤوليته، فلا أقل من أن نظهر له سرورنا بما يفعل، ونقوي عزيمته، ونسعى قدر المستطاع إلى وقايته مما يُكاد له من السوء، وأن تتضافر الدول من الآن على السعي معه لإيجاد خياره الأفضل، وتحقيق حلمه الذي يريد، بالضبط كما فعلت دول الغرب حين أعانت هذا الشعب الإيراني على تسليم رقابهم لمعممي الخرافة والدجل؛ فليكن الغرب من ساعدهم على تسليم رقابهم للجلاد ونحن من يساعدهم إذا صدقوا الرغبة في تخليص رقابهم منه.
مشاركة :