من شاهد روائع «أبو الطيب المتنبي»، «أبو جعفر المنصور»، «أبو زيد الهلالي»، «أيام شامية»، «إخوة التراب»، «إمام الفقهاء»، «البحث عن صلاح الدين»، «الحجاج»، «الزير سالم»، «الظاهر بيبرس»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عنترة بن شداد»، «ملوك الطوائف»، «هولاكو» وسواها العديد من روائع أعمال الدراما التاريخية السورية، لم يكن يتوقع توقف هذه الأعمال، خصوصاً أنه نوع من الدراما له شعبيته في عالمنا العربي (الدراما التاريخية)، إذ يعرض سِيَر أشخاص كان لهم تأثير في محيطهم الذي عاشوا فيه أو تعرض تاريخاً موجزاً لتاريخ دولة من الدول أو جماعة من الجماعات التي نشأت وأثّرَت في زمنها... الجيّد في مثل هذه الأعمال، إذا روعيت فيها الأمانة التاريخية، أن تأثيرها في ذهن المُشاهِد أقوى وأبقى مما لو قرأها في كتاب أو سمعها في محاضرة. من منا بعد متابعة عدد من حلقات الدراما التاريخية السورية، لم يجد نفسه وقد انجذب تلقائياً إلى العمل وأصبح حريصاً على متابعته ومشاهدته، لا سيما بعدما اعتادت أذنه على وقع اللغة العربية الفصحى ذات اللكنة الشامية التي يخاطب بها أبطال المسلسل بعضهم بعضاً. وبينها مسلسل «صلاح الدين الأيوبي»، ذلك العمل الضخم الذي تولى تأليفه وليد سيف وأخرجه حاتم علي، إذ تجد فيه النص والسيناريو والحوار. واللافت أن وليد سيف في هذا المسلسل لم يكن يكتب سيرة بطل إسلامي كبير وحسب، بل كان يؤرخ لفترة من أصعب اللحظات الحرجة في تاريخ الأمة الإسلامية، كما أن تجربة حاتم علي الإخراجية في هذا المسلسل كانت تزداد صقلاً وجودة وامتيازاً. ومع إبداع الكلمة وقوة الإخراج، كانت عناصر العمل مجتمعة تزيده إبهاراً... فالتصوير والإضاءة والمكياج كانت تزيد العمل قوة، وتقربه جداً من تقمص روح العصر الذي جرت فيه أحداث المسلسل. كما أن الموسيقى التصويرية للمبدع طاهر ماميللي أضفت على المسلسل أصالة وروحاً خلاقة إلى أبعد حد. ننتقل إلى رباعية درامية تاريخية أندلسية تحكي المحطات الرئيسية لتاريخ الأندلس من الفتح إلى السقوط. وفي رمضان عام 2002، بدأ عرض أول أجزاء تلك الرباعية مع مسلسل «صقر قريش» الذي تناول سيرة عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك الذي اشتهر في التاريخ بـ «عبدالرحمن الداخل». تناول المسلسل تلك الرحلة الملحمية للداخل وكيف استطاع الهروب من تعقب العباسيين الذين وصلوا إلى السلطة عام 132هـ. وكيف استطاع أن يدخل الأندلس فيخضعها لسلطانه ويقيم بها دولة أموية جديدة وأن يعيد إحياء دولة آبائه الغابرة في المغرب بعد أن سقطت وانتهت في المشرق. وفي عام 2003، كانت الحلقة الثانية من الرباعية حينما عرض مسلسل «ربيع قرطبة» الذي تناول قصة محمد بن أبي عامر المنصور. ذلك الفتى الذي استطاع أن يستخدم طموحه ومواهبه وكفاءته النادرة في أن يصل إلى أعلى مراتب السلطة في الدولة الأموية، إلى الحد الذي جعل المؤرخين يطلقون على حقبته اسم «الدولة العامرية» على رغم استمرار وجود الدولة الأموية. وفي عام 2005، كانت الحلقة الثالثة من الرباعية حينما عرض مسلسل «ملوك الطوائف» الذي تناول قصة تشرذم المسلمين في الأندلس وتحول الدولة الواحدة إلى دويلات منفصلة ومتناحرة، ما أعطى الفرصة لصعود نجم وقوة ممالك الشمال المسيحية الإسبانية المتحفزة. الواقع أنه لم تكن تلك الأعمال الثلاثة أعمالاً عادية، أو مسلسلات انتجت بغَرَض الترفيه وإعطاء الدروس والمواعظ والحكَم، بل يمكن اعتبار كل مسلسل منها بمثابة عمل سياسي فكري بامتياز، فكم من سؤال صعب قد طرح فيها وكم من قضية فكرية قد تمت مناقشتها. وأمام كل تلك الأسئلة تجد نفسك أمام تاريخ الأندلس الغابر تشاهد أوقات العَظَمة والقوة والسلطان ثم بعدها تطالع أزمان الضعف والتردي والخذلان. فمتى يكون إنتاج الجزء الرابع المتمم للرباعية. ذلك الجزء الذي يحكي قصة السقوط الأليم لغرناطة حاضرة المسلمين الأخيرة في الأندلس... ذلك الجزء المعَنوَن بـ «خريف غرناطة»، حتى جاء الربيع العربي، فتوقفت الدراما التاريخية السورية بين خريف غرناطة وربيع العرب.
مشاركة :