في تطور غير مسبوق، يشهد نظام «ولاية الفقيه» في إيران احتجاجات شعبية كسرت الخطوط الحمراء، لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، برفع شعارات من بينها «الموت للدكتاتور»، في إشارة إلى المرشد الأعلى «علي خامنئي»، بينما كانت عبارة «الموت لخامنئي» تنتشر على جدران العاصمة طهران، وتتردد في المدن الإيرانية، وأظهرت لقطات فيديو المتظاهرين وهم يضرمون النيران في صور رموز النظام في إحدى اللافتات المعلقة على جسر بأحد شوارع مدينة «مشهد»، وهي مسقط رأس المرشد علي خامنئي. التطورات داخل المشهد الإيراني، أصابت أركان النظام بالرعب، ليس فقط خوفا من أن تتحول المظاهرات إلى انتفاضة اشمل على غرار ما حدث في عام 2009 «الثورة الخضراء»، ولكن من كسر حاجز الخوف، وما يرونه تطاولا على الرموز الدينية ومكانتها ونفوذها، وخاصة المرشد الأعلى، المحصّن بنص المادة الخامسة من الدستور الإيراني، بأن ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في زمن غيبة الإمام المهدي، الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإٌمامية، تكون بيد الفقيه العادل المتقي العالم بأمور زمانه، الشجاع الكفؤ في الإدارة والتدبير الذي يتولّى هذا المنصب..أي أن المنصب «شبه مقدس»، وغير مقبول تجاوزه أو التطاول عليه، وهو «التابو» الذي كسرته الاحتجاجات الشعبية الغاضبة، في سابقة غير متوقعة، رغم أن الدستور يضع «الولي الفقيه» أو ما يتداول في وسائل الإعلام العربية، باسم «المرشد الأعلى للثورة الإسلامية»، على رأس هرم النظام السياسي للدولة الإيرانية. واشتعل الشارع الإيرانى، وربما كانت أخطر المشاهد، ما حدث في مدينة «قم»، قلعة المرجعيات الدينية المتحكمة في إيران، و تعتبر ثانية مدن إيران الكبرى ومركز الحوزة الدينية الشيعية ومعقل علمائها في البلاد، يسميها الإيرانيون «قم المقدسة» ويرونها المركز الديني الشيعي الرئيسي في العالم من حيث أهميتها وكثافة علماء الدين والمجتهدين فيها، وبعضهم يقدمها على حوزة النجف بالعراق..في هذه المدينة، شمال إيران، هتف المتظاهرون «الموت للديكتاتور»، في إشارة لـ «الولي الفقيه»،وطالبوا بـ«الإفراج عن المعتقلين السياسيين»، فيما أطلق بعض المتظاهرين هتافات مؤيدة لنظام الشاه الذى أطاحت به الثورة الإسلامية فى ١٩٧٩. ورغم تحذير المعارضة الإيرانية، أن المظاهرات المناوئة لحكومة طهران، احتجاجا على تردى الأحوال المعيشية وغلاء الأسعار، ليست سوى رسائل سياسيية حادة وقاطعة، تحمل معها مطالب اقتصادية ملحة، وهي «بداية حركة كبيرة» قد يفوق مداها الاحتجاجات ضد الرئيس السابق، محمود أحمدى نجاد في العام 2009، وأنها بداية «ثورة خضراء» تطيح بنظام الملالى.. إلا أن الخبراء المتخصصين قي الشأن الإيراني، يؤكدون أن كل السيناريوهات ما تزال مفتوحة، وأن الحكومة الإيرانية من الممكن أن تتخذ عدة إجراءات، إما بالهروب إلى الأمام من خلال قمع المتظاهرين وقتل المئات منهم، أو تقديم تنازلات فورية ومنها إقالة الحكومة أو استقالتها، أو إلغاء موازنة العام المالي الفارسي الجديد «خطة التقشف» التي أعلنت عنها، أو تنحي الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأن الدور الإيراني الخارجي سينكمش سواء نجحت الثورة أم لم تنجح. ويرى المراقبون، أن ما تشهده إيران من مظاهرات واحتجاجات من قبل المواطنين لليوم الخامس على التوالي، هو أضخم حركة إيرانية مجتمعية منذ ثورة عام 1979، وربما قد تزيد، نظرًا لأن ثلثي المدن الإيرانية قد انضمت إلى التظاهرات الشعبية الغاضبة، ولكن ليس من المستبعد نجاح النظام الإيراني في القضاء على الثورة لأنها بلا قائد، كما أن النظام الايراني نظام ديني صارم وحاد وله حجم ضخم من المؤيدين في الشارع الايراني بدليل المظاهرات التي خرجت مؤيدة للحكومة والنظام.. فضلا عن أن الحكم الإسلامي للشعب الإيراني يمثل شكل من أشكال التحدي، وبالتالي فإنه يمكن السيطرة على المظاهرات وقمعها، نظرًا لان الأمر لم يشكل أي تهديد لمؤسسات الدولة. دلالات وحقائق المشهد الساخن في إيران، كشفت عنه بوضوح شعارات المتظاهرين في مدينة أصفهان: «الموت لخامنئى»، و«اليوم يوم عزاء وحقوق شعبنا تحت العباية اليوم»، و«استحوا يا ملالى واتركوا الدولة»، و«نموت ونستعيد إيران».. وهو ما قرأته جيدا السلطات الإيرانية، رغم ما يبدو من دوافع التظاهرات الغاضبة، من الاحتجاج على القمع والفقر الشامل.. وتزامن ذلك مع مانشيت صحيفة «آرمان» الإيرانية أمس على صفحتها الأولى بعنوان«جرس إنذار للجميع»، وسط دعوات إلى الحكومة لاتخاذ تدابير لحل المشكلات الاقتصادية فى البلاد.
مشاركة :