معوقات مكافحة الإرهاب

  • 1/2/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الإرهاب إحدى أخطر الظواهر البشرية التي تواجه الدول والمجتمعات والأفراد، وتهدد السلم المدني والإقليمي والدولي، وهي ظاهرة قديمة قدم الإنسان، وارتبطت بتيارات وأشخاص من مختلف الاتجاهات الدينية والأيديولوجية والإجرامية، ولا شك أن إحدى أهم المسؤوليات الملقاة على كاهل البشرية مكافحة هذا الداء العضال. إن جهود مكافحة الإرهاب اليوم، ماضية على قدم وساق، وهي تحقق نتائج كبيرة على أرض الواقع، ولكن تأتي المعوقات المتنوعة، لتقف حجر عثرة في طريقها، وتضرب بمعاولها الهدامة للنيل منها. وتأخذ هذه المعوقات المشار إليها، أشكالاً عدة، ومن أخطرها، تورط بعض الدول في رعاية الإرهاب ودعمه، وإيواء عناصره، وصرف ثرواتها لتمويلهم، وتسخير أجهزة مخابراتها لتزويدهم بالمعلومات، وتسهيل مهامهم لتحقيق أطماعها والإضرار بالآخرين، ولا شك أن هذه الدول التي تدعم الإرهاب وتموله، هي تلعب بالنار، ولا تضر إلا نفسها. ومن معوقات مكافحة الإرهاب كذلك، المعالجات السلبية للظاهرة دينياً وفكرياً وثقافياً، إما بسبب المجانسة الفكرية من قبل المتعاطي، أو بسبب عدم تخصصه في المشكلة ومظاهرها وأسبابها، أو بسبب توظيفه للظاهرة لتحقيق أهداف خاصة. فنجد هناك من يناقش الظاهرة مناقشات سطحية، أو يتناول مسائل دينية لا خصوصية لها بالتنظيمات المتطرفة، أو يحصر التطرف في بعض المستويات المتشددة جداً فقط، كمن يحصر الإرهاب في "داعش"، ويستثني منه بقية التنظيمات الإرهابية، كالقاعدة والإخوان والتنظيمات الإرهابية الإيرانية وغيرها. وربما اتخذ هذا المتعاطي من محاربته لتنظيم داعش، وسيلة للتغطية على أجنداته الإرهابية، ولا شك أن صور الإرهاب متنوعة، والموضوعية تقتضي مكافحة جميع صور وأشكال الإرهاب، والابتعاد عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين. وكذلك من صور المعالجات السلبية، ترويج بعض المثقفين تيارات تكفيرية انتهجت منهج العنف والقوة المسلحة ضد الدولة والمجتمع، كالخوارج والمعتزلة، بدعوى أنها تيارات معارضة سياسية، أو دعاة ديمقراطية وحريات!!، والواقع أن تيارات العنف اليوم، ليست سوى امتداد لتلك التيارات التكفيرية السابقة، وبعض هؤلاء المثقفين اعتبروا الإرهابي ابن لادن، مناضلاً ضد الإمبريالية الأميركية، كما امتدحوا الثوري الشيوعي تشي جيفارا لنفس السبب، وكل ذلك تحت شعار مناهضة الإمبريالية!! وكذلك هناك المعالجات السلبية لظاهرة الإرهاب على مستوى بعض الأعمال الدرامية، فنجد بعض هذه الأعمال تناولت الظاهرة بصورة سطحية، وبعضها أظهرت الزعيم الداعشي على أنه نموذج فريد في الوفاء لزوجته، حتى وجدنا من يمتدحه بسبب ذلك، ويطالب الأزواج بأن يحذوا حذوه!!، وأعمال أخرى اعتبرها كثير من النقاد بمثابة جهاز إنعاش لتنظيم الإخوان، وتجميلاً لصورة سيد قطب!!، مع أن هذه الأعمال مخصصة ضد هذه الفئات، ولكنها احتوت على ثغرات كبيرة وخطيرة. ومن معوقات مكافحة الإرهاب، وجود الإعلام الموجه المنحاز للإرهاب والتطرف وإثارة الفوضى والقلاقل، ولا شك أن قناة الجزيرة اليوم، هي إحدى أخطر الأدوات الإعلامية التي خدمت هذا المسار، وفتحت منصاتها الإعلامية للإرهابيين، لينشروا سمومهم، ويبثوا إرهابهم، حتى أصبحت منبراً لمن لا منبر له منهم، وعلى رأسهم ابن لادن والقاعدة والحوثيون وغيرهم. ومن المعوقات كذلك، التحديات الأمنية الجديدة التي فرضها ظهور الإنترنت وثورة التكنولوجيا والاتصالات الحديثة، وضعف حماية الشبكة العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي من استغلال الإرهابيين، ما أتاح لهم فرصة ذهبية كبرى للتمدد ونشر الإرهاب وعولمته، وشن عمليات تجنيد وتغرير واسعة، وعلى الرغم من التحذيرات الكثيرة ونداءات الاستغاثة المتواصلة لسد هذه الثغرة، لم تستجب الشركات الراعية لهذه المواقع إلا متأخراً، وبعد ضغوط كبيرة، ولا يزال الإرهابيون يستغلون الشبكة العالمية بطرق شتى، ما يتطلب مزيداً من الجهود لحماية المجتمعات من هذا الخطر الداهم. ومن معوقات مكافحة الإرهاب كذلك، وجود الفقر والأمية، وضعف التنمية، وانتشار البطالة والطائفية في بعض المجتمعات، ما يتيح بيئة خصبة لنمو الجريمة والإرهاب، واستغلال التنظيمات الإرهابية لهذه الظروف، لاستقطاب الشباب وإغرائهم، مع ضعف تعزيز القيم الإيجابية التي تنمي في نفوس هؤلاء روح الوسطية والاعتدال والمثل العليا، والقيم المجتمعية التي تحقق السلم المدني في المجتمع، كالمواطنة والتحاور والتعايش والوئام. ومن المعوقات كذلك، ضعف القوانين التي تحاصر الإرهاب والإرهابيين، وخاصة في المجتمعات الغربية، التي خرج منها كثير من الإرهابيين، ليلتحقوا بالتنظيمات المتطرفة في مناطق الصراع، ومن أسباب ذلك، سوء توظيف مسائل حقوق الإنسان والحريات، لتكون حائلاً أمام فرض القوانين اللازمة في هذا الباب، ما ساهم في تسهيل حركة الإرهابيين وانتشارهم، بل وأتاح لهم منابر إعلامية لنشر الإرهاب وتصديره، ولا يزال بعض هؤلاء إلى يومنا هذا، يجدون التسهيلات في بعض المجتمعات الغربية لنشر إرهابهم، بما في ذلك دعمهم لتنظيم القاعدة وترويج أفكارها!! ومن المعوقات التي تعرقل جهود مكافحة الإرهاب، السياسات المتعثرة لبعض القوى الكبرى، ومنها القرار الأميركي المجحف بحق القدس الشريف، والذي حذرت منه دولة الإمارات والدول العربية والإسلامية ومعظم دول العالم، لما يمثله من انتهاك للقوانين الدولية، واعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني، وفتح الباب للتطرف والإرهاب، والإضرار باستقرار المنطقة. إن اجتثاث الإرهاب والقضاء على تنظيماته، ليس بالأمر السهل الهين، بل يحتاج إلى جهود متكاتفة متكاملة، وسد جميع الثغرات التي يستغلها الإرهابيون لتجديد دمائهم، ووضع الاستراتيجيات المثلى لمحاصرة الإرهاب ووأده في كل مكان، فقد أصبح العالم اليوم قرية صغيرة، بسبب تطور وسائل النقل والاتصال، ولذلك، فإن مكافحة الإرهاب تقتضي القضاء عليه في كل ركن من أركان هذه القرية الصغيرة.

مشاركة :