كل عائلة كردية تعودت على أكل "ناني تيري" في وجبة الفطور، ويماثله في العراق خبز الرقاق، حيث يؤكل مع الألبان والمقليات لخفته وطراوة طعمه، كما يمكن الاحتفاظ به لفترات طويلة قد تصل إلى شهرين دون أن يتغير طعمه. "هناك طبعا صعوبة في صنع الخبز في مثل هذه الأجواء الصيفية الحارة، لكن لا ننسى إمكانية الاستفادة من هذا النوع من الخبز أيام العوزوالمحن"، هكذا تعلق خيرية محمد وهي تقوم بتحضير الخبز، وتقول: "قضينا سنوات سيئة خلال فترات الأنظمة السابقة التي كانت تحارب الأكراد، وكنا نجمع الحطب لتسخين الصاج وتحضير خبز تيري". وتضيف المرأة، وهي في السبعين من العمر، والتي تسكن قرية قوشتبه قرب أربيل مع عائلتها المكونة من ستة أشخاص " إن خبز تيري من تراثنا القديم نفتخر ونعتز به، وقد ورثناه عن جداتنا وأمهاتنا. لم تضع منى معرفة تحضيره بعد الزواج، وليس هناك من عائلة كردية تستغني عنه هنا في القرية. إنه خبز صنعته قساوة الحياة الجبلية في كردستان". وتعد صناعة الخبز إحدى الصناعات التراثية في إقليم كردستان، وما زالت منتعشة في بعض البيوت الكردية حتى اليوم. تستنجد خيرية ببنتها كي تساعدها والتعب ظاهر على ملامحها وتشرح قائلة: "أنا أقف على الصاج وهي تقطع العجين، ويكون سمك الرغيف أقل من سم". الصاج يعتمد على تنور حديدي يقوم على قاعدة حديدية تتوزع فيها ثقوب كثيرة تخرج منها ألسنة النار، ويتم تزويدها بالطاقة من خلال قنينة غاز، والقاعدة مغطاة بقرص دائري مقوس يشبه الدرع، حيث تفرش العجينة عليه بعد أن يسخن بما فيه الكفاية. وتوضح خيرية قائلة "عجينة هذا الخبز لا تحتاج إلى الخميرة، طحين وماء وملح فقط. ويمكن البدء في تحضير العجين فوراً. وتذكر خيرية أنها تعلمت صناعة الخبز من والدتها المتوفاة منذ زمن بعيد، حيث كانت تساعدها على إخراج الخبز من التنور الطيني والتزويد بالحطب والتبن، وكانت ترتدي زياً منزلياً بأكمام طويلة وغطاء للرأس حماية لها من الحرارة. وووفقا لموقع "دويتش فيله"، عادة ما تعمل النساء فقط في صناعة "خبز تيري"، غير أن الشاب السوري نضال محمد معمو الذي نزح إلى أربيل هربا من الحرب في بلاده، أراد أيضا ممارسة هذا العمل، ويحكي: "عندما قدمت إلى أربيل استغربت من أن العاملات في صناعة هذا النوع من الخبز هنَّ من النساء. أنا خباز منذ مدة طويلة وورثت المهنة عن أبي في سورية. وكنت متخصصاً في صناعة خبز الصاج. غير أننا نأكله وهو طري. عندما لاحظت وجود طلب على خبز "تيري"، قمت باستئجار هذا المحل واشتريت أدوات الفرن". ولأن نكهة الخبز مقرونة برائحة الطحين، يشير الشاب السوري إلى أنه من الممكن صناعة "خبز تيري" من كل أنواع الطحين، وغالبا ما يستخدم الطحين الأبيض. كما يتم أحياناً استخدام الطحين العادي في صناعة الخبز الأسمر لمرضى السكري أو رغبة في نهج نظام الحمية، لأنه خال من النشويات، كما أن طريقة حفظه السهلة تجعل الطلب عليه أكبر من خبز المائدة العادي أو الصمون بأنواعه.
مشاركة :