يستدل المنحازون إلى هذه الفكرة التي لم ترد في الكتاب أو السنة ببعض النصوص التي يخرجونها من سياقاتها، ويسوقونها في غير مساراتها، وليس في شئٍ منها دلالةٌ واحدة على ما يقولون. 1. الرجال قوامون على النساء: قلت: ليس في القوامة ما يدل على أوهامهم، فالقوامة تكليف لا تشريف وتعني المسؤولية، الرجل مكلَّفٌ وملزمٌ بالعمل والإنفاق على المرأة (أختاً - بنتاً - أماً - زوجة) وإن كان فقيراً، لكنها ليست ملزمةً بشيء من ذلك، وإن كانت غنية، فإن فعلت فيكون ذلك تصدقاً منها عليه وعلى أبنائهما، فإن فهموا أن المراد منه التفضيل، كان ذلك أولى في حق المرأة وليس الرجل! 2. بما فضّل الله بعضهم على بعض؟ قلت: التفضيل هنا مرتبط بتكليف القوامة، ولهذا ربط الإمام الرازي في تفسيره ذلك التفضيل بكون المرأة ترث نصف الرجل (وهو ما يفسر لفظة بعضهم) فهو ليس تفضيلاً لجنس الرجال على جنس النساء، كما ظنّ بعضُ من لم يتحرَّ العلم، وإلا لم يكن النصُّ القرآني ليعجز عن بيان ذلك بكل وضوح وصراحة. 3. شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل: قلت: يجاب على هذا من وجهين؛ الأول: أن آية الدين لم تجعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل أمام القاضي؛ لأن الشهادة قرينة، والشهادة من المشاهدة، والآية تكلمت عن الشهادة على عقود الأموال التي تقل فيها خبرة المرأة (خصوصاً في زمن الرسالة)، ولم تتكلم عن الشهادة بين يدي القاضي، وإلا فالقاضي يحكم وفقاً للقرائن التي بين يديه ومن بينها شهادة الشهود ولو كانت امرأةً واحدة، فهل تعدُّ شهادة امرأة واحدة نصف قرينة؟ الثاني: فإن كانت متخصصة في هذا الباب (أستاذة جامعية في الاقتصاد أو المحاسبة مثلاً) كانت شهادتها على عقد مالي أولى من شهادة عامل بناءٍ مثلاً وإن كان ذكراً، فالمسألة ليست متعلقة هنا بالأنوثة في مقابل الذكورة، وإنما بالضبط والاختصاص والمعرفة وسعة الخبرة التي تقل غالباً في النساء عن الرجال في عقود الأموال ونحوها، ولهذا قرر جمهور الفقهاء الاعتداد بشهادة المرأة فيما يستوي فيه الرجال والنساء كالاستهلال وغيره، بل يؤخذ بشهادتها ولا يعتد بشهادة الرجل في الإرضاع ونحوه من الأمور التي لا يعرف الرجال فيها. 4. النساء ناقصاتُ عقلٍ ودين: قلت: لم يرد الحديث بهذا النص، بل بنص: (ما رأيتُ من ناقصاتِ عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن!) وفي حال ثبوته فقد كان موعظةً بليغةً وجهها الرسول لنساء الأنصار اللائي كن يغلبن رجالهن بعكس المهاجرين الذين كانوا يغلبون نساءهم، وكان ذلك في يوم العيد ففيه من الملاطفة والمؤانسة لهنَّ ما فيه، هذا واللسان العربي فيه ما يحتمل وصف البعض بألفاظ الجميع، ومنه قوله تعالى: (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً) وليس المراد -بالطبع- جميع سكان كوكب الأرض! 5. وليس الذكر كالأنثى: قلت: هذا صحيح ولا إشكال فيه، فقد ميّزَ اللهُ الذكرَ بقوة الجسم والشكيمة، وميَّزَ المرأة -في المقابل- بالحمل والولادة وبإخراج الأرواح للدنيا فلولاهن ما كنا نحن الرجال، هذا وقد أوصى رسول الله بالأم ثلاث مرات، ولم يوصِ بالأب إلا مرةً واحدة، فهل يقول قائلٌ إنَّ النساء أفضلُ عند الله من الرجال تأسيساً على ذلك؟ 6. الجهاد في سبيل الله: قلت: والمرأة أيضاً تجاهد في سبيل الله، وقد كانت الصحابيات يخرجن مع رسول الله في الجيوش ليس لمداواة الجرحى فحسب، بل أُثِرَ عن بعضهن حملُ السلاح والقتال أيضاً، وإن كان ذلك أولى بالرجل لما سبق بيانه في (5). 7. المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان: قلت: الحديث ضعيف، وكيف يكون نصاً بهذا القدر من الأثر وليس في القرآن العظيم آيةٌ واحدةٌ تشير إلى شيء من هذا (ولو من طرْفٍ خفي) ولم يرد في الصحيحين (البخاري ومسلم). 8. وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب: قلت: هذا مخصوصٌ بزوجات الرسول (أمهات المؤمنين) فقد كان بعض الناس يدخلون على رسول الله ويأكلون ويتباسطون مع نسائه وكان ذلك يؤذي رسول الله كما في آية الأحزاب، فوضع الله بهذا لهذا حداً، ولو جاز أن يكون ذلك في حق كل امرأة لكان كلُّ رجلٍ مأموراً بألا يحتجب عند مخاطبتها وهو ممتنعٌ شرعاً وعقلاً لما فيه من المشقة والعنت. 9. الإمامة والرسالة والنبوة مخصوصة بالرجال: قلت: هذا لتميّز الرجال بقوة البدن والشكيمة التي لا تكون النبوة بغيرهما، ولتميز المرأة بطغيان العاطفة التي لا تصلح معها النبوة، وهو من تمام تكريم الله للمرأة التي لا تحتمل الإساءات، فما من نبي إلا وعاداه قومه وكذبوه وعذبوه وآذوه ومع هذا فالتثبيت من الله (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركنُ إليهم شيئاً قليلاً) والمرأة لا تحتمل بطبيعتها الجسدية والنفسية مثل ذلك الإيذاء (أيها الحادي رفقاً بالقوارير) فهو مرتبطٌ بالتركيب البنيوي والنفسي المختلف فيهما كما هو معلوم بمستند الحسّ. 10. وللرجال عليهن درجة: جاء هذا في سياق أحكام الطلاق (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) حيث نهاهن الله عن كتمان ما خلق الله في أرحامهن، ثم منح الرجل الحق في أن يراجع طليقته قبل اغتسالها من الحيضة الثالثة سواءٌ أكان في رحمها مولودٌ أو لم يكن وإلا فبعقد ومهر جديدين، فتلك هي الدرجة التي له عليها. وليس في كتاب الله تعالى آيةٌ واحدةٌ تقول: اعلموا أن للرجل درجة على المرأة، أو: يا أيها الذين آمنوا إن للرجال على النساء درجة أو ميزة يتميزون بها عليهن، فالله تعالى لا يحابي أحداً لأصل خلقته من لونٍ أو جنسٍ أو نوع أو حسب ونسب. قال المعارض: لكنّ كثيراً من العلماء يقولون بخلاف ما تقول! قلت: لا عبرة بقول بشر كائناً من كان فكلّ أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك، والحجَّةُ: قال الله.. قال رسول الله، وإنما تفهم نصوص الشرع بالجمع بينها وبين بعضها البعض كما تقدم، هذا وأقوال بعض العلماء تنقض أقوال غيرهم، وكل محاسبٌ على قدر ما وصل إليه من الحق (كل نفسٍ بما كسبت رهينة)، (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، (وألا تزر وازرة وزر أخرى). وفي الختام.. قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً من ذكرٍ أو أُنثَى وهوَ مُؤمِنٌ فلنُحيِيَنَّهُ حياةً طيِّبَةً ولنجزِيَنَّهُم أجرَهُم بأَحْسَنَ ما كانُوا يَعمَلُون) صدق الله العظيم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :