هل ينجو الاقتصاد العالمي من حمائية ترامب وديون الصين والعملات الرقمية

  • 1/3/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل ينجو الاقتصاد العالمي من حمائية ترامب وديون الصين والعملات الرقميةلا يبدو العالم مُقبلا على مواجهة الكثير من المخاطر على المدى القصير، لكن على المدى المتوسط والبعيد سيصبح ارتفاع التفاوت في الدخل الذي سيزيد في تفاقمه عدم التناسب بين المهارات والوظائف في العصر الرقمي عائقا مهمّا أمام النمو ما لم يطبّق صانعو السياسات تشكيلة عريضة من الإصلاحات الهيكلية الصعبة.العرب  [نُشر في 2018/01/03، العدد: 10858، ص(12)]تمايل اقتصاد العالم على وقع ديون الصين لندن - تغيّر مشهد التمويل العالمي كثيرا بعد مرور عقد من الزمن على الأزمة المالية العالمية. وتُظهر أرقام صندوق النقد الدولي أنّ الاقتصاد العالمي يواصل تطوّره بوتيرة سريعة حيث سجّل إجمالي التدفقات الرأسمالية العابرة للحدود (الاستثمار الأجنبي المباشر والمشتريات من السندات وحصص الملكية، والإقراض والاستثمارات الأخرى) انخفاضا كبيرا منذ حقبة ما قبل الأزمة وعادت إلى مستويات أواخر التسعينات من القرن الماضي. لكن، رغم بوادر التعافي فإن خبراء الاقتصاد يراقبون بحذر، ويقول سوزان لوند وفيليب هارلي، الخبيران في معهد ماكينزي، إن الحذر أصبح السمة الغالبة وتراجع الإقدام على المخاطرة وعادت الأعمال المصرفية المتحفظة. ويؤكّد الخبيران أنه لا يوجد ما يدعو إلى الشعور بالرضا. فلا تزال التدفّقات الرأسمالية الإجمالية متقلبة، ولا محالة من أن يأتي النظام المالي العالمي المتشابك بإحكام بمخاطر حدوث أزمات وعدوى. ولأن اقتصاديات بلدان العالم أصبحت أكثر ترابطا وأصبحت بالتالي أكثر عرضة لفترات الصعود والهبوط في الفرص والمحن الاقتصادية العالمية أدت الأزمة المالية التي بدأت بالولايات المتحدة إلى انتقال العدوى إلى أوروبا التي كُبّلت بالديون والركود العالمي. ويعترف جورج أوزبورن، وزير الخزانة البريطاني السابق، أن الاقتصاديين فشلوا في اكتشاف الخطر قبل حدوثه في عام 2007. فقد دعّم الاقتصاديون سياسات التقشف على أمل استعادة التوازن تلقائيا، لكن محاولاتهم باءت بالفشل ولفترات طويلة.متى ستحدث الفقاعة القادمة؟يقول الاقتصاديون في بنك دويتشه الألماني إنه إذا كان من المفترض حدوث أزمة مالية في غضون السنتين أو الثلاث القادمة، سيكون من الصعب مراجعة كل المتغيرات والاعتراف بعدم القدرة على معالجتها: ❞بالنظر إلى معدلات الفائدة الصفرية تقريبا، يمكن أن تجد الميزانيات العمومية ومستويات الديون المرتفعة والبنوك المركزية والحكومات نفسها عاجزة عن معالجة الركود الاقتصادي في حالة حدوثه أو أنها ستصل في النهاية إلى طريق مسدود. ❞ بالنظر إلی التضخّم الأخیر والتحدیات المالیة التي تسبب فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذا قامت البنوك المرکزیة في نهایة المطاف بإجراء تسهيلات كمية من جديد، فإننا سنعود إلی المعدلات السلبیة مرة أخرى. ❞ من المتوقع تزايد حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي من جانب إيطاليا، مع ارتفاع دعم الحزب الشعبوي وضعف الأداء الاقتصادي وزيادة عبء الديون الهائل والنظام المصرفي الهش. ❞ بالنظر إلى التوسع السريع في عملية الائتمان والنمو المكبّل بالديون والنشاط العام لنظام الظل المصرفي وتزايد حجم الفقاعة العقارية، يأتي السؤال الأهم وهو “متى” ستحدث الفقاعة الائتمانية في الصين؟ ❞ تواصل اليابان إحراز تقدّم بطيء، في محاولة لإدارة عجز الموازنة الكبير، وارتفاع معدل الإنفاق، وارتفاع نسبة الدين العام في العالم المتقدّم في الوقت الذي يتقدّم فيه الشعب الياباني في العمر. ❞ بعد انتخاب دونالد ترامب واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتزايد الأحزاب المعادية للمؤسسة الحاكمة في فرنسا، ساد الاتجاه الشعبوي حول العالم. ومن المؤكد أن مستوى عدم اليقين سيبقى مرتفعا، حيث إذا لم تنجح المفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يخلق أزمة مالية. ارتفاع الدين يعتبر ارتفاع الدين أحد أسباب الحذر والقلق، فرغم تسارع النمو الاقتصادي عبر أغلب مناطق العالم، تبلغ نسبة الدين الإجمالي من معدل الناتج المحلي الإجمالي قرابة 250 بالمئة، مسجلا ارتفاعا بـ210 بالمئة قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، وذلك بالرغم من الجهود التي بُذلت في مرحلة ما بعد الأزمة من قبل واضعي القوانين في الكثير من الاقتصاديات المهمة لدفع القطاع البنكي لإزالة أثارها السلبية. ويشير جيم روجرز، خبير الاستثمار الأميركي، إلى أن مشكلة الاقتصاد العالمي لم تعد فقط محددة في ديون الدول المتزايدة، فإلى جانب نمو الدين العام في الولايات المتحدة ووصوله إلى مستويات خطرة وقياسية، أصبحت الصين بدورها دولة مثقلة بالديون والأمر ذاته بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وكان روجرز عبّر عن تشاؤمه من التطوّرات الحاصلة في الأسواق المالية، الأميركية أساسا، مع تنامي مخاطر الديون وخطة دونالد ترامب، التي يُجمع عدد من الخبراء الاقتصاديين، على أنها ستشعل فوضى عالمية جديدة. في المقابل يبدو كمال درويش، مدير برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكينغز، أقل تشاؤما بخصوص أزمة اقتصادية عالمية وشيكة، لكنه لا ينفي في نفس الوقت أن الخطر يبقى قائما. ويرى الخبير الاقتصادي التركي أن الارتفاع في نسب الفائدة يمكن أن يتسبب في إطلاق أزمة عالمية جديدة. ويوضح أنّ الدين هو في الوقت نفسه خصوما وأصولا. ففي اقتصاد مغلق فإن مجموع الديون والأصول المقابلة تلغي بالضرورة بعضها البعض. لذا فإن ما يهمّ حقا هو تركيبة الديون والأصول، أو بعبارة أبسط، من هو مدين بماذا ولمن؟ ويفسر درويش ذلك متخذا من ارتفاع الديون العمومية مثالا يؤشر على الحاجة الممكنة لزيادة الضرائب (وهو عكس التشريع الضريبي الذي يتقدّم به المشرّعون الجمهوريون في الولايات المتحدة) /أو الترفيع في أسعار الفائدة (الحقيقية أو الاسمية، بحسب السياسة النقدية والتضخم). وإذا كان الدين مستحقا في معظمه لدائنين أجانب فإنّ مخاطر سعر الصرف تزيد من حدّة مخاطر سعر الفائدة. وبالنسبة إلى دين القطاع الخاص، يرى درويش أن الكثير يتوقف على نوعيته: نوع التحوّط، حيث تغطي السيولة النقدية للمدين كل الالتزامات ونوع المضاربة، حيث تغطي السيولة الفائدة فقط، أو نوع البونزي، حيث لا تغطي السيولة حتى ذلك. ومثلما فسر عالم الاقتصاد الأميركي الراحل هايمان مينسكي، كلما زاد نصيب الدين الذي يندرج في صنفي المضاربة أو البونزي ارتفعت إمكانية تسبب صدمة ثقة في موجة مفاجئة من إزالة التأثير التي تتحول بسرعة إلى أزمة مالية مكتملة. وتلعب تواريخ استحقاق الدين دورا مهما، إذ تترك الاستحقاقات الأطول المزيد من الوقت للتعديل، مما يخفّض من مخاطر حدوث صدمة ثقة. وبينما ليس هناك معنى في التركيز على أرقام إجمالية بسيطة، تميل كل من المؤسسات العمومية والباحثين الخواص إلى فعل ذلك بالضبط. لنأخذ التغطية لأزمة الديون اليونانية مثال. لقد اقتفت عناوين الأخبار صعود نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي من 100 بالمئة في سنة 2007 إلى 180 بالمئة سنة 2017، ومع ذلك لم يُعر اهتمام يذكر لديون القطاع الخاص. وفي الواقع، بتعويض الدائنين العموميين الأجانب لأصحاب الديون الخواص وانخفاض أسعار الفائدة، أصبح مجموع ديون اليونان، بالرغم من أنها ظلت مرتفعة، أكثر قدرة على الاحتمال. وسيتوقف استمرار القدرة على تحمّلها جزئيا على مسار الناتج المحلي الإجمالي لليونان، وهو القاسم المشترك في نسبة الدين. ويرى درويش أن خطأ مماثلا يرتكب في تقييم ديون الصين التي ينشغل بها العالم أكثر من أي شيء آخر. الأرقام مخيفة بكل تأكيد حيث تصل نسبة الديون الصينية من الناتج المحلي الإجمالي حاليا قرابة 250 بالمئة، ويمثّل دين القطاع الخاص حوالي 210 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن قرابة ثلثي ديون القطاع الخاص المعرّفة على أنها قروض بنكية وسندات شركات هي في الواقع على ملك شركات تابعة للدولة وكيانات تابعة للحكومات المحلية. وتملك الحكومة المركزة سيطرة كبيرة على الاثنين.العملات الرقمية تمثّل رقما صعبا في سلسلة الاقتصاد العالمي بالنسبة إلى الصين ربما يكمُن الخطر الأكبر في القطاع البنكي الموازي الذي لا نملك عنه بيانات موثوقة. ومعظم الديون الصينية بالعملة المحلية الرينمنبي، بينما تملك البلاد احتياطات هائلة من العملة الصعبة تصل إلى قرابة 3 ترليون دولار، وإجراءات التحكم في رأس المال مازالت فعّالة بالرغم من تخفيفها في السنوات الأخيرة. ومن ثمّ يملك قادة البلاد خزينة حرب يمكنهم استخدامها للوقاية من الاضطرابات المالية. المخاطر الجيوسياسية حسب قراءة كمال درويش، يجب عدم الاستهانة بالمخاطر الجيوسياسية، فبينما تنزع الأسواق إلى عدم الاكتراث بالأزمات السياسية المحلية وحتى التحديات الجيوسياسية الأكبر، فإن البعض من الأحداث قد تفلت عن السيطرة. ويبقى التهديد النووي الكوري الشمالي شديدا مع إمكانية أن يؤدي التصعيد الفجئي إلى زيادة خطر الصدام بين الصين والولايات المتحدة. ويبقى الشرق الأوسط مصدّرا آخر للاضطرابات الخطيرة وذلك بزيادة التوترات في المنطقة. وفي هذه الحالة، روسيا هي التي يمكن أن تتصادم مع الولايات المتحدة. وحتى في غياب اضطرابات جيوسياسية كبرى من شأنها أن تضرّ بشدة بآفاق الاقتصاد العالمي على المدى القصير هناك مخاطر جدية متوسطة وبعيدة المدى تلوح في الأفق، وفق كمال درويش، الذي يتوقّع أن يتسبب ارتفاع التفاوت في الدخل، الذي سيزيد في تفاقمه عدم التناسب بين المهارات والوظائف في العصر الرقمي، في تعطيل النمو ما لم يطبّق صانعو السياسات تشكيلة عريضة من الإصلاحات الهيكلية الصعبة، بما في ذلك الإصلاحات الهادفة إلى كبح التغيّر المناخي. ويتوقّع جيم روجرز أن تفشل الحكومات في منع اندلاع الأزمة وستفقد سيطرتها عليها. وقال إن الإجراءات التقليدية للسيطرة على الأزمات المالية لن تنفع مع نظيرتها القادمة، وسيكون على الهيئات المتخصّصة والحكومات ابتكار حلول وخطط جديدة، فيما يذهب كمال درويش إلى التأكيد على أنه أمام صانعي السياسات الوقت اللازم لتطبيق الإصلاحات الهيكلية المطلوبة. لكن نافذة الفرص لن تبقى مفتوحة إلى الأبد، فإذا ضيّع صانعو السياسات الوقت في السفسطة حول التأثير الإيجابي للامتيازات الضريبية للأثرياء على الطبقات الأدنى، مثلما يحدث حاليا في الولايات المتحدة، قد يكون العالم مُقبلا على أزمة اقتصادية حادة.بلدان العالم بحاجة لشبكة أمان لمقاومة أي عواصف مالية في المستقبل العملة الرقمية منذ سنوات قليلة لم تكن بلوكشين وفينمو وبتكوين كلمات لها معنى، لكنها اليوم صارت العملات الرقمية تمثّل رقما صعبا في سلسلة الاقتصاد العالمي. وفي الربع الأخير من سنة 2017 قفز سعر بتكوين بشكل حادّ ممّا أثار الطلب على العملات الرقمية والمخاوف في نفس الوقت بشأن فقاعة محتملة على وشك الانفجار، فيما يتزايد الانتباه لطريقة عمل بلوكشين التي يتم تداول العملات الرقمية عن طريقها. وتقول سوزان لوند وفيليب هارلي “إذا كنّا قد تعلّمنا أي شيء من الماضي فهو أنّ الاستقرار يتحقق بصعوبة ويفقد بسهولة بالغة. وفي الوقت الذي بدأنا نرسم فيه أنماطا جديدة للاندماج المالي العالمي بعد التغير العنيف الذي حدث في السنوات العشر الماضية، فهناك عقبة جديدة ومغيّرة لقواعد اللعبة آتية في شكل تمويل رقمي”. ويضيف الباحثان “من المرجّح أن تؤدي زيادة انتشار استخدام التكنولوجيات المالية الجديدة مثل المنصّات الرقمية وسلسلة التجميع والتعلّم الآلي إلى توسيع المشاركة في التمويل العابر للحدود وتسريع التدفقات الرأسمالية. وستكون هناك فرص هائلة، ولكن ستكون هناك أيضا منافسة شرسة. ولا يعرف أحد منّا حتى الآن ما هي المخاطر الجديدة التي يمكن أن تنشأ نتيجة التدفقات الأسرع لرأس المال حول العالم، ولكن من المهم جدا توخّي اليقظة والانتباه جيدا للتهديد القادم الذي سيتعرّض له الاستقرار”.

مشاركة :