كونر سين* شركات مدرجة تسارع بقرارات توحي بأنها تحقق فوائد من الاستثمار في العملات الخفية، وبدأت الأسواق تكافئها بعائدات سخية. وفي حال استمرار هذا النشاط، فإنه حتى الذين لم يتعاطوا بالعملات المشفرة لن يسلموا من شظايا انفجارها.لا تزال طفرة العملات المشفرة حتى الآن تمثّل أحد الأعراض الجانبية للأسواق المالية أو الاقتصاد الحقيقي. وقد ارتفعت أسعار بتكوين وغيرها من العملات المشفرة ارتفاعاً استثنائياً، صاحبه ظهور مسميات تثير السخرية مثل «كاردانو» و«مونيرو» وهي تحقق زيادات متتالية في قيمتها، وإذا تبين أنها مجرد فقاعات في المستقبل، فإن أياً منها لن يؤثر تأثيراً ملموساً في الناس العاديين.ولكن الشركات المدرجة في أسواق المال العالمية تسارع باتخاذ قرارات توحي بأنها تحقق فوائد من الاستثمار في تلك العملات الخفية، وبدأت الأسواق تكافئها على تلك القرارات بعائدات سخية. وفي حال استمرار هذا النوع من الأنشطة، فإنه حتى الذين لم يتعاطوا التداول في العملات المشفرة لن يسلموا من شظايا انفجارها - وهي منفجرة لا محالة.هناك مثال صارخ مستجد على هذا النشاط قدمته شركة «لونغفين»، التي ارتفعت أسهمها أكثر من 2000% في غضون أسبوع بعد أن أعلنت أنها اشترت تقنيات حلول الإقراض المحدود المتوافقة مع «بلوك تشين». وعندما ترتفع الأسهم استناداً إلى البيانات الصحفية اليومية، فمن المهم ألا تأخذك تفاصيل البيان وتأثيره في قطاع الأعمال لأن التهويش نفسه هو السبب الرئيسي للاضطرابات التي تصاب بها أسواق المال.ولعل تصاعد موجة الهوس في تداول العملات المشفرة كان واضحاً بعد الزيادة التي أعلن عن تحقيقها في أسعار بعض نماذج تلك العملات التي طرحت حديثاً، للتداول على موقع «كوين ماركت كاب» الشبكي والذي كشف بعد تصنيفها حسب قيمتها السوقية، عن تحقيق بعضها من فئة الدولار الواحد مكاسب تجاوزت 100% في يوم واحد. ومبدأ تلك الطفرة يستند إلى أنه مع تحليق بتكوين فوق 16 ألف دولار وجد الذين لا يطيقون شراءها فرصتهم في شراء غيرها من جنسها، على أمل تحصيل جزء من الكعكة. وهنا يبرز الجانب النفسي غير المقنع في امتلاك الفتات من الكعكة والذي على الرغم من صغر حجمه يعادل مبالغ طائلة بعملات أخرى سواء كانت تقليدية أو افتراضية.وتحفز التجارب السابقة من طفرات السوق في حركة النقود مثل بتكوين العامل النفسي الذي يدفع المتداولين للبحث عن «بتكوين المستقبل». وإذا كانت قيم العملات الأخرى عدا بتكوين، يمكن أن تتضاعف مرتين أو ثلاثاً خلال الأسبوع، فلماذا لا ترتفع أسهم الشركات المدرجة المرتبطة بها؟وهذا منطق معقول من وجهة نظر المتداولين في العملات المشفرة، ولكنه يجب أن يثير قلق أولئك الذين يأملون في أن تبقى الأسواق الفعلية والاقتصاد في معزل عن «غول» التشفير المتوحش. وتؤكد تجربة شركة «لونغفين» أن الأسواق تريد المزيد من المعروض من الشركات التي لها علاقات مع العملات المشفرة. وإذا كانت هناك حسنة لوول ستريت، فهي تلبية طلب المستثمرين المتزايد. وسوف نشهد استمرار هذا الهوس بالعملات المشفرة سواء عبر عمليات الاستحواذ أو التهويش الإعلامي أو ائتلافات الشركات طالما أن الطفرة مستمرة.ومن غير المحتمل أن تكون هذه الشركات ذات التقييمات المستجدة من النوع الذي يجيد إدارة الاستثمارات والموارد. ولا شك أنها ستوظف فنيين وتستأجر مكاتب وتشتري تجهيزات وتنفق المال على الإعلان للترويج لطفرة التشفير. وهذا المال يتدفق على الشركات الحقيقية المضاربة في العملات المشفرة والتي توفر خدماتها ما يؤدي إلى زيادة معدلات التداخل بين الاقتصاد الفعلي والعملات المشفرة. والواقع أن ذلك سيسفر عن تحول مبالغ نقدية ضخمة إلى الشركات التي تتعامل بهذا النوع من العملات وتعريض الاقتصاد الفعلي لمخاطرها بدرجات متفاوتة. وهذا يعني زخماً مؤقتاً للاقتصاد لكن جودة ذلك الزخم موضع تساؤل.وحتى الآن لا يزال من السهل الاستهزاء بالعملات المشفرة أو النأي بالنفس عنها. لكن مع انتشار الطفرة من بتكوين إلى عملات أخرى ومن شركات محدودة تسوق تلك المنتجات الهجين إلى شركات مدرجة تشكل نواة اقتصاد العالم، لا بد أن نشهد تزايداً في تأثير العملات المشفرة في اقتصاد العالم الحقيقي. وهنا نقول حان الوقت لأخذ العلم والحذر الشديد. * كاتب متخصص في «بلومبيرج»
مشاركة :