آسيا عبدالهادي: هموم المجتمع العربي شغلي الشاغل وفلسطين قضيتي

  • 1/4/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الروائية الأردنية الفلسطينية آسيا عبدالهادي في روايتها "دولة الكلاب العظمى .. حكايات زمن العولمة" صراعات وحروب العالم العربي وانعكاسات ذلك على شعوبه، وذلك من خلال شخصية حليمة مديرة المدرسة، التي تكتشف وجود بيت صغير غامضٍ قرب منزلها الريفي، وتخوض مغامرات لمعرفة حقيقة هذا البيت وساكنيه، وتقدم تلك المغامرات على شكل حكايات أسمتها "حكايات زمن العولمة"، وقدمتها بطريقة سردية مميزة تدمج القارئ في قالب النص وكأنه يعيش المغامرة. عبدالهادي بدأت الكتابة باسم مستعار في إحدى الصحف الكويتية، ولم تتجه للرواية إلا بعد أن شهدت مشادة كلامية بين أحد الشبان الفلسطينيين وشاب عربي آخر عيّره ببيع وطننا وبيع أرضنا والهروب وتركها لليهود.. وكيف جئنا الى الكويت لنقرف أهلها.. وكانت هذه المشادة حافزا لأن تسرع في كتابة روايتها الأولى لتقول للعالم إن هذا غير صحيح ولتشرح بعضا من المعاناة الإنسانية التي لحقت بالفلسطينيين بعد الهجرة إضافة إلى التأكيد بأن الفلسطينيين لم يستكينوا حتى بعد الهجرة ورغم كل الذل والتعذيب والقهر الذي لاحقهم بعد تهجيرهم. وثانيا خشية أن تمتد لي يد المنون وتذهب هذه الذكريات والبطولات دون تسجيل. قدمت عبدالهادي قبل هذه الرواية "دولة الكلاب العظمى" الصادرة أخيرا عن دار الآن ناشرون وموزعون ست روايات، هي: "الحب والخبز"، "الشتاء المرير"، "غرب المحيط"، "بكاء المشانق"، "سعدية"، "ذكريات وأوهام". كما أصدرت مجموعة قصصية بعنوان "سنوات الموت"، 2008. أكدت عبدالهادي أن التكوين الرئيسي والذي نبعت من خلاله رغبتها بكتابة الرواية؛ تجلّى منذ وعيت وتفتحت مداركها على كلمة "لاجئين - مهاجرين" وقال "بدأت أتساءل عما تعنيه هذه الكلمة واعتقدت بداية أنها شيء لصيق بنا كالعين والأنف واليد والرجل أو أن هذا اسم عائلتنا فأتعجب من معنى هذه الكلمة، ولماذا لا تقال عن جيراننا الذين نستأجر بيتهم في قرية رفيديا – نابلس، ثم توهمت أنها اسم عائلتنا واعتقدت أن اسمي مثلا "آسيا سعيد عبدالهادي لاجئين مهاجرين". كما كنت أتعجب لماذا نحن فقراء إلى هذه الدرجة ولا نملك شيئا لا أسرّة ولا خزانات ولا مقاعد ولا أدوات مطبخ ولا ملابس تقينا برد الشتاء القارص؟ ولماذا تبكي أمي دائما وماذا تعني جملة "بكرة بنروّح ع َالبلاد" و"بكرة بنروّح غربة" ماذا تعني كلمة "غربة" ولماذا لا نذهب إليها فورا بدل العيش بهذا الشكل؟ وكنت أستغرب غياب والدي المستمر؟ وأين يذهب ليلا ولماذا عندما يعود يكون مرهقا حزينا. ماذا يحدث في بيتنا؟ وعندما كبرت علمت أن والدي من المناضلين وأنه يذهب في عمليات "غربة" وأننا "لاجئين" طُـردنا من وطننا، وأن لنا بيوتا وبيارات وبساتين وأراضي، لكننا لا نستطيع العودة إليها لأن غيرنا احتلها وسكنها وأسس دولته على أنقاضنا، وفهمت معنى الكلمة التي لحقت بنا الى يومنا هذا. بعد ذلك بدأت أعي حقيقة الأشياء وأقرأ الكثير عن محنتنا وقضيتنا، وبدأت أفكر بكتابة رواية تتحدث عن معاناتنا المعيشية وظروف تهجيرنا ومأساتنا الإنسانية وأُلمْ بكل ما يحيط بي فوضعت في ذهني أن أسجل ذلك في رواية. وكانت روايتي الأولى "الحب والخبز". ورأت عبدالهادي أنها تركت الكتابة في العمود اليومي في جريدة القبس، وتركت العمل في شركة البترول لظروف عائلية، وبدأت أفكر بالتوجه الى كتابة الرواية خصوصا بعد أن عقدت العزم على تسجيل قصة اللجوء لكنني كنت أعمل ببطء، وأنتظر إجازات الصيف لأحصل على معلومات إضافية من الأهل في الأردن قبل أن أسجل الرواية بشكل كتاب، لكن حادثة وقعت أمامي جعلتني أسرّع كتابتها فحينما كنت أسير في أحد الأسواق وشاهدت مشاجرة بين شاب فلسطيني وآخر عربي وطرقت سمعي عبارة ذكرها الشاب العربي لغريمه قائلا "بعتم بلدكم وجئتم هنا تقرفونا" شعرت كأن مطرقة ضربت رأسي. وقفت برهة مذهولة من العبارة ورددت بغضب "هذا كذب.. نحن لم نبع وطننا هذا هراء"، ثم مضيت في طريقي حزينة أشعر بالظلم والقهر، وقلت في نفسي معه حق فالناس لا تعرف الحقيقة، وكل ما تناقلوه إشاعات لتبرر الخيانة والخدعة التي حصلت. ووضعت نصب عيني أن أسجل معاناتنا في الهجرة وآلام اللجوء وعار كرت المؤن وبدأت كتابة الرواية. وأضافت عبدالهادي "في عام 1986 انتهيت من كتابتها كمسودة ودفعت بها لأحد الأدباء لمراجعتها وتدقيقها لغويا ومضى وقت دون عمل شيء سحبتها منه، وبحثت من جديد على من يقوم بالمهمة وأمضيت زمنا أيضا بالتسويف والمماطلة والبحث عن ناشر إلى أن تمت طباعتها في شهر يونيو/حزيران 89 وتسلمت ما يقرب من 600 نسخة من الناشر قمت بتوزيعها جميعها على الصحف والمجلات ودور النشر ووسائل الإعلام والأصدقاء وبعض الشخصيات الكويتية. وكنا على موعد مع الإجازة السنوية فنزلنا الى الأردن ولحسن الحظ أحضرت معي نسخة من الرواية. ثم حصل دخول القوات العراقية إلى الكويت ولم أعد الى هناك ولم أعرف مصير باقي النسخ التي كانت في حوزة الناشر. كنت مصرّة على طباعة الرواية بأي ثمن. عندما رجعنا الى عمان قمت من جديد بالاتصال بدار نشر واتفقت معهم على نشر الرواية. وبعد أن دفعت أجور طبعها وطبع رواية أخرى وذهبت بالموعد المحدد لاستلام النسخ فوجئت بالدار مغلقة بالشمع الأحمر. وعلمت أن صاحبها هرب من الأردن الى جهة غير معلومة بعد أن نصب على عدد كبير من الكتاب وهكذا انتهت المرحلة الثانية. أما في المرحلة الثالثة فقد نزلت إلى قلب مدينة عمّان شارع طلال، وترددت على مكتبات بيع الكتب، وسألت عن دار نشر محترمة فأرشدني صاحب أحد الأكشاك الى المؤسسة العربية للدراسات والنشر – دار الفارس لصاحبها ماهر الكيالي وتمت طباعتها بالشكل الأنيق الحالي. وهذه الظروف هي التي تسببت بتأخير نشر الرواية. وبعد أن انتهيت من طباعتها قمت بإهداء أكثر من 400 نسخة حتى يعلم الناس أننا لم نبع وطننا وأننا ظـُلمنا وأن هذه التهمة باطلة تماما وقد لاقت رواجا طيبا وسمعة رائعة ولغاية اليوم. وأكدت عبدالهادي أن أهم قضية تشغلها هي القضية الفلسطينية، وقد ورد الحديث عنها في معظم رواياتي وهذا الهَمْ يشغلنا جميعا.. إضافة إلى مشاكل اجتماعية تعاني منها مجتمعاتنا المختلفة وهموم عربية كثيرة فأنا أستقي مواضيع رواياتي من محيطي وقضاياه فمثلا: بعد رواية الحب والخبز والتي خصصتها جلها للقضية الفلسطينية جاءت رواية "سنوات الموت" والتي صدرت 2007 وهي عبارة عن أربع حكايات تحكي كل واحدة منها هموم فئة من فئات المجتمع كقضايا المعاقين – هموم الشباب - حب المظاهر – خرافات العفاريت والجن وما يجره هذا الاعتقاد من مصائب على المصابين بالأمراض النفسية. ورواية " الشتاء المرير" تناولت فيها وضع المرأة العربية وانفصام سلوك بعض المثقفين العرب الذين يحملون أعلى الشهادات لكنهم ما زالوا يتعاملون مع زوجاتهم كالجواري. وفي رواية "غرب المحيط" تجلت هموم المواطن العربي في المهجر والمشاكل التي يعانيها والانفصام الذي يعيشه ما بين ما تربى عليه من عادات وتقاليد وما بين عادات وأخلاقيات المجتمعات الجديدة والصراع الذي يعيشه معظم المغتربين والتفرقة العنصرية التي يكابدونها. ورواية "بكاء المشانق" تشكل ملحمة فلسطينية حيث تعرضت لجرائم الانتداب البريطاني في فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية ومطاردة الإنجليز للمناضلين الفلسطينيين وتعليقهم على مشانق الإعدام، وتحكي قصة أحد هؤلاء المجاهدين وكان اسمه محمد عبد مصطفى الضميري من قرية الخضيرة الذي تم إعدامه شنقا في تلك الفترة. أما رواية "سعدية" فقد عالجت قضية الفساد الذي يسود بعض الطبقات الاجتماعية العليا واستغلال النفوذ لقهر الطبقات الفقيرة والتكسب على ظهرها والتلاعب بمصائرها وبلقمة عيشها والاستحواذ على المناصب والشركات والتلاعب بالأسهم ومؤازرة الفاسدين بعضهم لبعض وتسيير الصفقات والحصول على العمولات وتمركز رأس المال بأيدي فئة قليلة من الناس.. وغير ذلك من مظاهر الفساد. وجاء موضوع رواية "ذكريات وأوهام" ليرصد معاناة العمال العرب المغتربين في الأقطار العربية وما يعانونه من استغلال من أرباب العمل في تلك البلدان وعدم تطبيق قوانين العمل عليهم وتحكي قصة سيدة حرمت من الإنجاب وتربطها علاقة جميلة بطفل من إحدى الأسر المغتربة حيث تقوم بالعناية به ورفع شأنه. أما روايتي الحالية "دولة الكلاب العظمى" فتأتي في السياق نفسه لتتحدث عن هموم المواطن العربي ومواطني العالم الثالث وكيفية التلاعب بمصائرهم والاستيلاء على عقولهم وتزييف الإعلام وتحكم قوى الشر والتسلط على الناس والتلاعب بمقدرات الأمم والاستبداد بشكل عام وسيطرة الوهم على الشعوب ورميها في الجهل والفقر والمرض لصالح الحكام المستبدين صنيعة الدول الكبرى. وشدّد عبدالهادي على أن أنها قصد أن يكون العنوان "دولة الكلاب العظمى" صادما وأنه يعبر عن أحداث الرواية، واستدركت موضحة أن "النص فيه تداخلا ما بين البشر وبعض الحيوانات كما رواية كليلة ودمنة. وهذا التداخل رمزي الدلالة حيث تتكلم الرواية عن عصر العولمة وما جرته من نكبات على المجتمعات ككل، فمثلا عندما تم تخصيص أبواب عن الحمير كان القصد تصوير حالة الذل والهوان والاستكانة والرضى التي يعايشها الحمار مهما تم استغلاله وقهره وتحميله ما لا يطيق. وعندما ورد ذكر الكلاب فأولا لأن لقب الكلب عندنا ورغم صفة الإخلاص لديه إلا أننا نستعملها كشتيمة لمن نبغض، ثم لا ننسى ما يتعرض له أبناء شعبنا بالداخل المحتل من تسليط الكلاب على أطفاله ونسائه في حالة بشعة من التطاول والاستهانة بكرامة البشر. وامتدحت عبدالهادي المشهد الروائي في الأردن ووصفته بأنه مشهد واعد جدا وقالت "نسبة المتعلمين عندنا كبيرة تبلغ حوالي 87% وهي من أعلى النسب على المستوى العربي، والروائيون الأردنيون أسماء كبيرة وكذلك الروائيات وقد حصل كثيرون على جوائز ذات سمعة طيبة عربيا ودوليا لا يستهان بها. ونحن مجتمع متعدد الثقافات والأصول لكنه متجانس انصهرنا بالاختلاط والنسب وحب الأردن الجميل المعطاء والحرص عليه وافتدائه بأرواحنا، ونقف مع قضايا الأمة ونتفاعل بكل جد مع هموم الوطن العربي نتألم كثيرا لما يصيبه من هوان وذل في هذا الزمن، ونتمنى أن نتوحد ونتخلص من النفوذ الأجنبي، وأن نتنبه لما يحاك ضدها من مؤامرات، ونحن شعب سياسي بامتياز نأكل سياسة ونشرب سياسة ونتنفس سياسة. السياسة هي زادنا اليومي. وفي هذا الإطار هناك حركة نقدية نشطة ومثابرة وتتابع ما يستجد من روايات ومن كتب ثقافية ولدينا نقاد عمالقة كالدكتور حسين جمعة ود.عباس عبدالحليم عباس ود. نبيل حداد ود. محمد القواسمي ومحمد المشايخ ومحمد جميعان وجعفر العقيلي وهيا صالح وغيرهم. وأشادت عبدالهادي بالحراك الثقافي في الأردن مؤكدة أن وزارة الثقافة لها باع طويل في مساعدة المؤلفين على نشر إبداعاتهم على نفقتها وكذلك أمانة عمّان ودور النشر كثيرة جدا، والصحف والمجلات تنتشر بكثرة وكذلك الصفحات الثقافية في الصحف اليومية وأزبكية عمّان ومعارض الكتب كثيرة على مدار العام، أما بالنسبة للأنشطة الثقافية وخصوصا على مستوى الرواية والشعر والرسم والفن بشكل عام فتتوفر لدينا ندوات متعددة أسبوعية، ويحاول المثقفون جاهدين جذب الناس للحضور، وقد بات لبعض المنتديات جمهورها ويتابع حراكها كمؤسسة شومان ومنتدى الرواد الكبار ورابطة الكتاب ودائرة المكتبة الوطنية وبعض النوادي والجمعيات؛ لكن ما زال عزوف الجمهور عن حضور هذه الندوات يثير الحزن.   محمد الحمامصي

مشاركة :