ظاهرة سينما المقاولات لا تنتهي في مصر، فهي مستمرة طالما استمرت صناعة السينما، وإن كانت شهدت طفرتها في الثمانينات من القرن الماضي مع ظهور منتجين جدد على الساحة السينمائية لديهم ثقافة سينمائية متواضعة، لكن معهم أموال كثيرة، ثم اختفت لفترة ما في بداية الألفية الثالثة، لكنها عادت إلى الظهور مجددا مع ظهور مجموعة جديدة من المنتجين يرون في السينما “الفرخة” التي تبيض ذهبا، كما أنها تضيف لهم بريقا اجتماعيا، ويحصلون على لقب “منتج”، حيث يعتمدون على ميزانية قليلة وممثلين شباب جدد يبحثون بدورهم عن أي ظهور على الشاشة الكبيرة، فيما يعتمد غيرهم على نجوم الصفين الثاني والثالث. وهو تماما ما حصل مع فيلم “فوبيا” الذي خرج إلى القاعات في أبريل 2017، حيث شارك في بطولة الفيلم نجوم الصف الثالث من أمثال رامي غيط وعمرو رمزي، وراندا البحيري وميريهان حسين، وهو من تأليف وأشعار خالد الشيباني ومن إخراج إبرام نشأت وإنتاج شركة “ميرور للإنتاج والتوزيع”. هذا ورفعت بعض دور العرض السينمائية فيلم “فوبيا”، من قاعاتها بعد أسبوع واحد فقط من عرضه، لتحقيقه إيرادا ضعيفا يوميا، إذ تراوح إيراده اليومي ما بين 3 آلاف و10 آلاف جنيه مصري، ليبلغ إجمالي إيرادات الفيلم بعد أسبوع من عرضه 27 ألف جنيه (حوالي 1519 دولارا). وتدور أحداثه في إطار كوميدي عن شخصين مصابين بمرض الفوبيا، تحدث بينهما العديد من المفارقات، حيث يعمل أحدهما مدربا للأسود وفى ذات الوقت يخشى الفئران، وشارك في الفيلم كل من نهال عنبر وسليمان عيد وحسن عبدالفتاح وأحمد راتب. ويعتبر “فوبيا” آخر أفلام الفنان الراحل أحمد راتب والذي قام فيه بتمثيل شخصيتين، كما شارك بالغناء في أغنية “صاحب”. وإن حفل فيلم “فوبيا” ببطولة لنجوم غير معروفين، إلاّ أن الفيلم الكوميدي “يا تهدي يا تعدي” للمخرج خالد الحلفاوي وتأليف أحمد عزت، شهد بطولة أيتن عامر ومحمد شاهين اللذين باتا يعدان من نجوم الشباب الصاعد مع كل من محمد عادل وبدرية طلبة وضياء عبدالخالق. ولأجل ذلك ربما حقق الفيلم الذي صدر في فبراير 2017 إيرادات بلغت 615 ألف جنيه مصري (حوالي 34.610 ألف دولار)، رغم بساطة فكرة الفيلم التي تدور حول شاب (قام بالدور محمد شاهين) يبحث عن معلم جيد لقيادة السيارات من أجل والدته الراغبة في تعلـم القيـادة، ويقـوم مـوظـف بأحـد المكـاتب المتخصصة في تعليم القيادة للسيدات بترشيح هند (قامت بالدور أيتن عـامر) لتـؤدي هـذه المهمـة، وسرعان ما يقع في حبها بعد بدء الدروس. ويعد الفيلم التعاون الثاني بين المخرج خالد الحلفاوي والممثلة أيتن عامر بعد فيلم “زنقة ستات” عام 2015، كما أنه أول بطولة مطلقة لأيتن عامر. توازن إيجابي يرى بعض النقاد أن ظاهرة سينما المقاولات إيجابية، حيث تعمل على توازن عجلة الإنتاج، فيما يراها البعض الآخر استكمالا لسلسلة أفلام المقاولات التي ظهرت في الثمانينات، وهي أفلام من الممكن أن يتقبلها المشاهد في حال أنها تقدم سينما جديدة تشعر بحال الناس، أو أنها تعدّ فرصة حقيقية لميلاد نجوم جدد، وهو ما لم يحصل مثلا مع فيلم “كارت ميموري” الذي تم عرضه في ديسمبر الماضي بعد مرور 4 سنوات على إنتاجه وتأجيل عرضه لمشاكل مختلفة. و”كارت ميموري” أنتج عام 2014، وهو من بطولة الفنان خالد سليم الذي تبرأ منه بسبب خلافات مع المنتج، حيث اعترض سليم على الفيلم، نظرا لأن القائمين عليه قرّروا تحويله إلى فيلم سينمائي على الرغم من أنه كان مسلسلا بعنوان “القضية إكس”، وصوّر فيه سليم حلقة منفصلة فقط. وشارك في بطولة الفيلم محمد نجاتي وعزت أبوعوف ودينا فؤاد ورانيا محمود ياسين وأحمد منير ونورهان ودينا المصري وسامي مغاوري. وتدور أحداث الفيلم في إطار تشويقي بوليسي، وهو من تأليف محمود حامد فليفل وإخراج خالد مهران وإنتاج شركة “غولدن موفي”، المملوكة للمنتج الراحل محمود فليفل. وفي الشهر نفسه، أي ديسمبر الماضي، طرحت دور العرض المصرية فيلما ثانيا عدّه النقاد من أفلام المقاولات، وهو فيلم “عمارة رشدي” للمخرج حسن السيد وتأليف محمد الأحمدي، ومن بطولة نرمين ماهر ومدحت تيخة وحسن عيد وإنجي خطاب ومحمد صلاح آدم وميدرونا سليم وأميرة حافظ، وكلها وجوه فنية شابة تقدّم تقريبا لأول مرة، باستثناء نرمين ماهر، وهي مواهب ربما يكتب لها النجاح في قادم التجارب على خلفية مقولة “الانتشار ثم الاختيار”. وتدور أحداث الفيلم حول عمارة رشدي الموجودة بالإسكندرية، والتي تحوم حولها أعداد من الأساطير والحكايات المرعبة، حيث يشاع عنها أنها مسكونة بالأرواح، وأن أي شخص يقترب منها ويحاول السكن فيها، يجد نفسه في الشارع، كل ذلك في إطار كوميدي يحاول فيه شاب شرير يمتلك والده العمارة، إثبات صحة هذه الإشاعات عنها. وحقق “عمارة رشدي” إيرادات بلغت 70 ألف جنيه (حوالي 4 آلاف دولار) في 6 أيام عرض، حيث ارتفع معدل إيراده في الأيام الأخيرة من السنة الماضية ليسجل في الليلة الواحدة 20 ألف جنيه مصري، بعد أن كان يحقق 3 آلاف فقط، بينما بلغت إيرادات فيلم “كارت ميموري” 145 ألف جنيه مصري (حوالي 8.160 ألف دولار) في أسبوعي عرض، حيث قل معدل الإيراد اليومي للفيلم مع بداية العام الجاري، ليسجل في الليلة الواحدة من 5 آلاف إلى 7 آلاف جنيه مصري فقط. في النهاية، يبدو أن هذا الصنف من الأفلام الذي يصطلح على تسميته بأفلام المقاولات تعوّد الظهور فجأة ودون مقدمات، وكأنه يتم تصويره في الخفاء، ليختفي أيضا بأسرع مما هو متوقّع.
مشاركة :