الكسل الفكري علة يتعرض لها الجميع. نحن نتمسك بأفكار تعلمناها من آبائنا ومثقفينا ومرجعياتنا من دون أن نتعب أنفسنا بتدقيقها. هكذا آمنا جميعا بأن الاستعمار عدونا الأول والأخير. دققت في الأمر فوجدت عكس ذلك وقلت إن الاستعمار ارتكب جريمة شنعاء عندما أعطانا الاستقلال قبل الاوان. اتهموني بأنني أصبحت عميلا خائنا. نسوا أن رجلا آخر أعلم مني، كارل ماركس، نفسه سبق ودقق في الموضوع وقال إن الاستعمار البريطاني للهند كان خطوة للأمام. وكذا كان في رأيي في العراق ومصر والمغرب العربي. ولكن القليل منا من تأملوا في الموضوع وحكموا عقلهم في ضوء معطيات التخلف العربي. الغربيون أيضا لهم كسلهم الفكري الذي ظهر في حملتهم على ما قام به الجيش المصري بشجاعة. لهم مسلماتهم التي لا يريدون أن يتعبوا انفسهم في مراجعتها. بالنسبة لهم حقوق الإنسان مقدسة، حرية الفكر أساس التقدم، المظاهرات والإضرابات حق، الشرعية بنية الدولة، الديمقراطية هي الحل، الانتخابات الحرة أساس الديمقراطية، حق التصويت مقدس، القضاء العادل المستقل فريضة، كرامة السجين لا تمس، وهكذا. أقاموا حضارتهم وثروتهم على هذه المسلمات. راحوا يفترضون أن ما صلح لهم يصلح للجميع على علاته ومن دون قيد أو شرط. تجد رجل الدولة والمعلق الصحافي وحتى المفكر المستقل عندهم لا يواجه خرقا لهذه المسلمات في أي بلد في العالم إلا وتشنج وبادر تلقائيا للاعتراض عليه. كلما قلت ان إعطاء حق التصويت لمواطن أمي جاهل خطأ وخطر وينبغي تفاديه بحصر الاقتراع بالمتعلمين، ثاروا عليّ وقالوا هذا خرق لحقوق الإنسان. لا يكلفون أنفسهم من دراسة تبعات تسليم مصير دولة لأفكار قوم جهلاء ليس لهم ي اطلاع على متطلبات وتبعات كل هذه الشؤون المعقدة للدولة والعالم. وفي ضوء هذه المسلمات، امتنع الجيش الألماني في الثلاثينات من التحرك ضد الحزب النازي واعتقال هتلر وزمرته. تركوهم باسم حقوق الانتخاب وشرعية البرلمان ليلقوا بالمانيا والعالم كله في أتون الحرب العالمية. وبالفعل دافعت الصحافة الغربية في حينها عن حق النازيين في تسلم الحكم. كيف لا وقد صوّت لهم الشعب؟ كل ما كان الالمان وأوروبا والعالم كله في حاجة ماسة إليه هو رجل من طراز السيسي على رأس الجيش الالماني، أو قل رجل من طراز كرومويل، عندما اقتحم البرلمان البريطاني مع فصيل من الحرس وخاطب النواب الانتهازيين قائلا: «بحق السماء لقد طال جلوسكم في هذا المكان. اخرجوا من هنا بحق السماء»! خرجوا طائعين وانصرف كرومويل لبناء دولة الكومنولث الضاربة الارجاء. أنا واثق لو أن الإخوان المسلمين بقوا في الحكم أكثر مما بقوا لألقوا شعوب المنطقة بكاملها في جحيم لا يقل كثيرا عما فعله النازيون، ولكن من دون أي من منجزات النازيين واختراعاتهم وفلسفتهم.
مشاركة :