حاكم الكويت السابع، الشيخ مبارك الصباح، ترك لنا إرثاً تاريخياً كبيراً، وذلك من خلال المراسلات التي جرت بينه من جانب، وبين الوكيل السياسي البريطاني في الكويت وعدد من الزعماء والحُكام من جانب آخر. ولو أحصينا الرسائل التي كتبها الشيخ مبارك، والرسائل التي تلقاها، لوجدناها بالمئات، وجميعها تتضمَّن فكراً سياسياً، ولغة تراثية، ومفردات جميلة يستمتع بها القارئ والمتفحص لها. اليوم، نعرض لكم رسالة كتبها في 30 يوليو 1906 أحد المسؤولين الإنكليز في الخليج، وهو الميجر أف. زي. كوكس، المقيم السياسي بالخليج، وهي رسالة طويلة باللغة العربية (ترجمتها باللغة الإنكليزية متوافرة) يتناول فيها عدداً من القضايا. تبدأ الرسالة الإنكليزية بالتحية المعتادة، فتقول: "بعد إبداء السلام الوافر، والثناء المتكاثر، والسؤال عن صحة ذاتكم الحميدة، إن شاء الله تعالى، إنها في كمال الصحة والعافية". ثم يبدأ الميجر كوكس في الحديث، فيقول إنه قدم إلى الكويت ولم يكن الشيخ مبارك موجوداً، وإنه علم أن الشيخ مبارك كان بصحبة ابنيه؛ فهد وصباح، في رحلة علاج، فقال في الرسالة: "نعرف جنابكم الشريف أننا في وصولنا الدفعة الأخيرة إلى الكويت بصحبة جناب ذي الشوكة والإجلال الأجل الأفخم أمير البحر كثير أسفنا بواسطة غياب جنابكم من الكويت، إذ صرنا محرومين من فوز مشاهدتكم، والمخاطبة معكم، ولكن حسب الظن بأن غيبتكم من أسباب المرض الشديد العارض إلى المرحوم ولدكم فهد". ويمضي الميجر كوكس قائلاً: "وفي هذا الزمان المقرون بالتشوش ما حبينا نصدع جنابكم بإرسال المكاتيب بعد ذلك، بحسب ما بلغ مسامع... من جناب العالي الجاه القبطان ناكس أننا متوالياً كنا غائبين من مركز مأموريتنا، وقبل التاريخ بيومين رجعنا من الهند، بعد توقفنا هناك بمدة شهرين". وهكذا، يوضح أنه كتب رسالته التي بين أيدينا بعد عودته إلى مقر عمله في مدينة بوشهر الإيرانية، بعد مرور شهرين تقريباً على زيارته للكويت، وأنه علم عند عودته بوفاة فهد وصباح؛ ابني الشيخ مبارك. يقول: "الحال بعد وصولنا صرنا متألمين، إذ قرأنا المكاتيب، ونرى أن ولديكم اللذين هم فهد وصباح افتقدوا عنكم، وانتقلوا إلى رحمة الله". وهنا يعبِّر المقيم السياسي البريطاني في الخليج عن تأثره الشديد عند علمه بخبر الوفاة، وأسفه العميق على ذلك، فيقول: "يا لها من داهية عظيمة، ومصيبة جمَّة، نسأل المولى أن يعظم لكم الأجر، ويرزقكم الصبر، وأننا نستدعي أن تجعلونا شركاءكم في هذه المصيبة". وقد ورد اسما فهد وصباح كولدين من أولاد الشيخ مبارك الصباح في شجرة عائلة الصباح المعتمدة من الديوان الأميري، والتي يشرف على إعدادها وتطويرها كل عشر سنوات الشيخ نايف المالك الصباح، ولكن لم يرد لهما ذرية، ما يدل على أنهما توفيا صغاراً قبل زواجهما. في الأسبوع المقبل، إن شاء الله، نُكمل قراءتنا في وثيقة كوكس - مبارك لعام 1906.
مشاركة :