كيف كان يفكر الشيخ مبارك الصباح؟ وكيف كان يتعامل مع أصدقائه وأعدائه؟ وهل كان الإنكليز يستغلونه دون أن يعلم بذلك، أو يحقق شيئاً من المصالح لبلده وحكمه؟ التقرير الإنكليزي الذي بدأتُ الحديث عنه في الأسبوع الماضي يُعطينا بعض الردود على هذه التساؤلات المهمة. فالتقرير الذي كتبه الميجور بيرسي كوكس، المقيم السياسي البريطاني في الخليج، يتناول قضايا عديدة مهمة. يقول كوكس في تقريره، الذي قدَّمه عام 1906: "بعد قضاء ثلاثة أيام بالكويت في الأسبوع الماضي، أتشرَّف بتقديم بعض الملاحظات للحكومة تتعلق بالتطورات الحالية هناك. لقد التقيت الشيخ مبارك في ثلاث مناسبات، وفي يوم 7 من الشهر جلست معه في الوكالة جلسة مطوَّلة تفاصيلها في هذا التقرير، ومرفقة معها مذكرة أعدَّها الكابتن نوكس، الذي كان موجوداً معنا". وبعد ذلك، يؤكد الميجور كوكس أن المواضيع التي تم تناولها ركزت على الأحداث في المنطقة العربية، بمبادرة من الشيخ مبارك، وهو موضوع في غاية الأهمية. وقال بما معناه: "إن احتمالية أن يسود السلام بين الشيخ مبارك وابن رشيد، ورؤية مبارك الخاصة حول تحالف ثلاثي بينه وبين ابن سعود وابن رشيد، والتي في الواقع يمكن اعتبارها تحالفاً دفاعياً لمقاومة التوسع التركي في نجد والإحساء، لهما أمران ممتعان، إن لم يكونا رائعين للنظر فيهما". إلا أن الميجور كوكس يستدرك، ويقول في تقريره إنه لابد أن تخشى السلطات البريطانية طموحات مبارك الشخصية، والتي يمكن أن نلحظها من خلال اتفاقه مع بن رشيد، مؤكداً أن هذا الأمر هو العقبة الرئيسة في ذلك. وتوضح هذه العبارة، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحكومة البريطانية كانت تنظر إلى مبارك نظرة المفاوض الذي لم يكشف جميع أوراقه أمامها، وأنها تشعر بأن له مآرب سياسية تغطي تحركاته ونشاطاته. كما أن ما ورد في مقدمة التقرير من أن مبارك بادر بفكرة التحالف الثلاثي بينه وابن رشيد وابن سعود يعكس أن الشيخ مبارك أصبح الحاكم الأقوى في المنطقة، ويمتلك رؤية بعيدة يقود بها القوى الأخرى بالمنطقة، لحمايتها من التوسعات التركية. ويؤكد التقرير هذا الحديث، فيقول كوكس: "من جهة أخرى، ليس هناك شك في هذا المسار من أن ابن سعود وابن رشيد تيقنا في السنوات القليلة الأخيرة من قوة موقف حاكم الكويت، من خلال موقع بلده، حيث يحتل موقعاً استراتيجياً وسياسياً مهما بالنسبة لهم، وهم يرون الفائدة التي ستعود عليهم من خلال المحافظة على علاقات ودية معه". ويمضي الميجور كوكس في حديثه عن الشيخ مبارك، فيقول إنه لا يشعر بالقلق أو عدم الرضا من موقف الشيخ مبارك فيما يتعلق بالعلاقات مع الأتراك، بل إن تقاربه معهم والمحافظة على احترامهم وتقديرهم له أمر يخدم المصالح البريطانية. وقد عبَّر كوكس عن ذلك بما يلي: "وفيما يتعلق بموقف الشيخ مبارك نحونا، فإنني لا أعتبر ذلك إجمالاً بأنه يسبب عدم الرضا أو القلق، بل على العكس. فطالما أن أفعاله التي تعكس تعبيراته لمشاعره نحونا لم تتغيَّر، فإن تحسين العلاقات بينه وبين السلطات التركية في البصرة، ضمن حدود معقولة، أمر يدعو للطمأنينة، وليس العكس". نُكمل القراءة والشرح في وثيقتنا هذه الأسبوع المقبل بعون الله تعالى.
مشاركة :