المواضيع التي يتناولها الدكتور عبدالله المدني مشكورًا، ويبثها تلفزيون البحرين تحت عنوان (على رمال الخليج) هي قصص واقعية، وسير ذاتية لأشخاص من بطن الجزيرة العربية العزيزة خاصة من نجد وما جاورها مثل عنيزة، وحدثنا في برنامجه الجذاب عن عدد من أولئك الرجال المكافحين الذين بنوا ملكًا لا يبلى، مبني على حسن الخلق، وأمانة في المعاملة، والصدق في القول، وزين ذلك الإيمان بالله تعالى الذي يعمر قلوبهم، وقد تشرفت مملكة البحرين بهم، وأسهموا أيّما مساهمة في الإقتصاد البحريني من النشأة، مثل المرحوم صديق الدراسة محمد الزامل رحمه الله تعالى.والذي لم يرد اسمه - قد ذكر في إحدى الحلقات ولم أشاهدها-، هو المرحوم عبدالعزيز العلي البسام، الذي عشق البحرين واتخذها موطنًا له، وهو تاجر مشهور، ويملك سفن خشبية أشهرها البوم مرزوق، ونوخذه - أي ربانه - الخال عبدالله مبارك الخلف الدوسري، وكان الخال يبحر به من فرضة المنامة الى ميناء العجير - العقير - أقرب ميناء بحري من الإحساء، وذلك قبل بناء فرضة الخبر، وبعد إفتتاح فرضة الخبر، غاب ذكر العجير وطواه التاريخ، وبعد وفاة المرحوم الخال عبدالله، سلم المرحوم عبدالعزيز العلي البسام، قيادة البوم الى إبن الخال أحمد الذي تولى زمام البوم، واستمر في إدارة هذه الأمانة بصدق وإخلاص من فرضة المنامة الى فرضة الخبر ونقل البضائع وبالعكس بالشراع أولا، ثم بالشراع والماكينة في أول سنين استيراد الماكينات للسفن.وكانت الضربة القاضية التي حلت بالسفن والنواخذة، وفرضة المنامة والخبر، إفتتاح جسر الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود عام 1986 في عهد أميرنا الراحل الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة، تغمدهما الله تعالى بواسع رحمته وأسكنهما فسيح جناته، الجسر الذي نقل البحرين من جزيرة الى شبه جزيرة، تتصل بالعالم بطريق بري، بدل الطريق البحري، وساهم هذا الجسر بنشاط تجاري وإقتصادي كبير في صالح المملكتين والشعبين، وشريان إتصال سهل بين مواطني مجلس التعاون بسياراتهم، حتى أصبحت البطاقة الشخصية (الذكية) هي المعمول عليها لا جواز السفر، وكان المرحوم عبدالعزيز البسام رجلا كريما سخيا، وذا سمعة طيبة بين أقرانه من التجار.وهنا، يجب الإشارة الى أن سوق الحراج والدلالوة –الدلالين- بالمنامة، الواقع في فريق الشيوخ، وأقرب معلم له فندق عبيد اليماني رحمه الله تعالى المشهور قديما، الواقع على شارع صعصعة، وهذه السوق أغلب تجارها من نجد وما حولها، أذكر منهم عبدالله النجدي والصعقبي وإبراهيم شويش، وسعد بدو- دلال العقارات-، رحمهم الله تعالى جميعا.ورجوعا الى عنوان الموضوع غواص من نجد، منذ سنين قد تزيد على ثلاثين سنة مضت أو أقل، بثت إذاعة المملكة العربية السعودية على الأثير من الرياض، أن رجلا لا تسعني الذاكرة على ذكر اسمه، أرويها بتصرف قد يخرجها عن مسارها-، صمم على السفر الى البحرين للعمل على سفن الغوص مثل من سبقوه وعادوا بأموال وفيرة، إضافة الى ما اشتروا من السوق من ثياب وغتر شال وثياب للنساء والاولاد ومواد غذائية وهدايا.وبعد وصوله مع رفاقه الى البحرين، اتجهوا الى نوخذا الغوص (حسين) - هكذا ورد اسمه من المذياع أو حسن - وسأل النوخذا النجدي «أي عمل تجيد، سيب أو غواص، ربعك أعرفهم وأعرف أعمالهم على السفينة؟ سأل صاحبنا النوخذا: «إيش الفرق بين السيب والغواص؟» أجابه: «الفرق في الأجر، أعني التسقام والسلفية»، سأل النوخذا مرة أخرى أيهما أكثر، رد عليه النوخذا: «الغواص»، قال: «إذا، أنا غواص»!وسلم النوخذا حسين التسقام والسلفية الى الغيص الجديد، وأتجه مع رفقائه الى السوق لشراء إزارات وفانيلات وسراويل قصيرة –لباس رجال الغوص، بالإضافة الى ما يحتاجه الغواص من حجر –ثقل يربط في القدم- وخبط –غطاء لأصابع اليدين لحمايتهما من الجروح أثناء قلع المحار من قاع البحر –قوع البحر- للعلم، جدي غواص ووالدي سيب، وجد أبنائي نوخذا وغواص خليل البنخليل- وأبحرت السفينة الى الهيرات بما عليها من نوخذا وسيوب وغواصين –ناهيك عن الشباب والرضيف – وهو بحار تحت التمرين-، وردت أسماء تلك الأدوات في كتاب الأستاذ عبدالله الشملان «صناعة الغوص».وعندما أشرقت الشمس في اليوم الأول، أمر النوخذا الغواصين والسيوب بالاستعداد للعمل..قال النواخذا للغيص الجديد: «توكل على الله وتزهب - أي تجهز-»، لكن صاحبنا عندما رأى البحر العميق وتلاطم أمواجه ولم يعهدها من قبل، وعليه أن يربط الحجر - الحير أو الثقل - بقدمه، خاف وأجفل، ورفض، وطلب الى النوخذة أن يحوله الى سيب، النوخذة رفض طلبه وبعد إنتهاء موسم الغوص - أربعة أشهر وعشرة أيام-، عادوا الى اليابسة، وباع النوخذا حصيلة اللؤلؤ، وحضرت الحسبة، أي ما عليك ومالك أيها الغيص والسيب، وكان هذا النوخذا موفقا وأمينا، خصم من كل غيص وسيب ما عليه من تسقام وسلف، وسلم لكل واحد نصيبه من المكدة، إلا ذلك الغيص الذي رفض أن يقوم بواجبه، فلا نصيب له، وعليه أن يعيد التسقام والسلف كاملا عدا ونقدا بالروبية والبيزة، وأمر السلطات بمنعه من السفر.وعاد رفاقه الى أهاليهم بنجد بالروبيات والهدايا، وسألوهم عن صاحبهم الذي تخلف، فقصوا عليهم قصته، هنا توجه نفر من أهله الى البحرين، وسألوا عن النوخذة حسين حتى وجدوه، ودفعوا الى النوخذة حسين ماله على إبنهم من تسقام وسلف، وسمح له بالسفر معهم الى موطن العروبة والإسلام.] يوسف محمد بوزيد
مشاركة :