يتناول كتاب "رجل الحواديت" للكاتبة آمال عويضة مجموعة من الحواديت المتفرقة المتنوعة التي يحمل أبطالها العديد من الحكايات والأحلام والطموحات، يجسدون مشاعرهم المرتبكة وأحاسيسهم المتدفقة وآمالهم وآلامهم من خلال تلك الحواديت. ونجد البطل الرئيس هو رجل الحواديت، هو من تدور حوله الحكاية أو معه أو من خلاله، ورجل الحواديت قد يكون هو الصديق الذي نفضي إليه بأسرارنا، وقد يكون هو الحبيب الذي تتمنى أن تلتقيه في يوم من الأيام بطلة الحدوتة، وقد يكون من يسرد الحكاية كالراوية وقد يكون من تسرد له الحكايات، وقد يكون الرفيق الوفي في رحلة الحياة الصعبة، أو القريب أو الزميل. المهم أن لكل حكاية وحدوتة من هذه الحواديت بطل هو "رجل الحواديت"، والكتاب لغته بسيطة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى، وإن كانت به عبارات فصيحة، إلا أن فكرة السرد والحواديت تكون أقرب إلى النفس إذا تم تناولها دون قيود، وبشيء من الحرية، ومن بعض نماذج تلك الحواديت. "حصة تانجو" في هذه الحدوتة، نجد صديقة تبعث برسالة لأعز صديقاتها منذ الصغر والتي أبعدتها عنها الغربة وتذكرها بذكرياتهما معًا، وتتحدث عن رجل الحواديت الخاص بها، وهو فتى الأحلام الذي سيأتي مع الأيام ليحقق حلمها الآخر وهي رغبتها في تعلم رقصة التانجو، وهي تتخيله المعلم الذي ستتظاهر بأنها تصغي لنصائحه بكل اهتمام بينما هي تقع في هواه وتلقي على كتفه همومها، وتشاركه أحلامها وآمالها وآلامها لبقية حياتهما معًا. • تفسير الزمن أما في حدوتة "تفسير الزمن" نجد امرأة تفضي بمكنونات مشاعرها لرجل الحواديت، وهي توضح له حزنها على ما فات من الذكريات (امبارح) من أحداث الزمن الماضي الذي تحاول أن تنساه، وخوفها من (بكرة) زمن المستقبل الذي تجهله ولا تعلم ما يحمله لها من أحداث ولا ما يخبيء في جعبته من مفاجآت، وقلقها وربكتها حيال (دلوقتي) الزمن الحالي وما يحدث فيه، كما أن هذا البطل الخيالي "رجل الحواديت" هو من تأتمنه على أسرارها ومخاوفها وأحلامها وأمانيها حول فتى الأحلام الذي سيحقق لها السعادة التي ترجوها. أما "فرق شجاعة" ففي هذه الحدوتة يوجد اختلاف كبير يتمثل في محورين رئيسين الأول أن رجل الحواديت في هذه القصة يشارك هذه المرة في الحوار ويرد على المرأة بطلة القصة، والاختلاف الثاني أن رجل الحواديت هنا يمثل الغواية، فهو ذلك الفتى اللعوب الذي يريد أن يمضي أوقاتًا سعيدة مع امرأة من باب التسلية دون وعود أو التزام أو ارتباط من أي نوع، وهي تواجهه بكل شجاعة وتخبره أنها تريد بناء حياة سليمة قائمة على الحب والتفاهم في النور لتدوم وتستمر، وترفض بكل إباء وشمم إغراءاته ومنطقه المنحرف، وهنا نلمح نوعًا جديدًا من الصراع النفسي والعاطفي بين البطلة وبين رجل الحواديت. وفي حدوتة "عيال بالألوان" نجد رجل الحواديت هذه المرة هو صديق عزيز لبطل القصة أو الراوية، لأن بطل القصة الحقيقي هو شاب صغير يجلس في الأتوبيس يحمل في يده كتابًا يقرأه، والقصة عن المقارنة بين الفكر المتحجر للجيل الماضي سواء هذا الجمود نابع من الأعراف أو العادات والتقاليد أو حتى من طبيعة الفكر والثقافة، وبين الشاب صاحب العقل المستنير الذي يرى الدنيا بالألوان، ويرسمها بطريقته الخاصة دون اللون الرمادي القابع في العقول المتحجرة، ومن خلال صورة ذلك الشاب صاحب الكتاب يتكون ذلك المستقبل الجديد بجيل جديد يرسم المستقبل جناين بهجة تطرح فرحة وتطرد أهل الكهف رمادي اللون. وفي "رشة سكر" رجل الحواديت صاحب البطل الذي يتولى الحوار ويتحدث في تلك الحدوتة عن التفاؤل، وأن هناك رجلًا كان يرش السكر على وجه الأرض ربما يتمكن من تحلية العيشة المرة، ويظن الناس أنه مجنون والحقيقة أنه كان متفائلًا يحاول ويكافح وهو يعرف أن الحياة بها طرق مظلمة صعبة مرة، تكره بياض السكر وطعمه الحلو، ولكنه ينفض الكسل عن نفسه ويقوم ليصارع تلك الأيام، ويشق طريقه في الحياة ليقوم بتحلية مرارتها بذلك الاجتهاد، وهو يتمنى أن نتعلم منه ذلك التفاؤل والاجتهاد حتى لا تفتك بنا الدنيا ونتوه في مسالكها المظلمة المريرة. • مزيكا في البيت أما في "مزيكا في البيت" فيحدث أمر غريب وهو أن البطلة تتحاور مع "ثومة" وتفضي لها بمكنونات قلبها وهي طبعًا تقصد أم كلثوم، وهي تعتذر لها لأنها من الجيل الجديد الذي لا يتحمل أن يستمع لمدة ساعة لأغنية واحدة، وأنها من النوع الذي يستمع لأصالة وأنغام، ولكنها لا تنكر فضلها على الغناء العربي، كما تتحدث معها عن الأثر النفسي الإيجابي الذي تحدثه الموسيقى في النفس، ذلك الأثر العظيم المشع بالتفاؤل الذي تحدثه الموسيقى والأنغام حين تتحد مع كلمات خلابة تمس القلوب وتشبع النفوس. و"مع كليوباترا" رجل الحواديت هو الصديق الذي تحكي له البطلة عن أسرارها وتفضي له بمكنونات قلبها، وهي تتحدث معه في البداية عن ذكرياتها مع القهوة في مصر والفرق بينها وبين الكابوتشينو الذي تذوقته لأول مرة في إيطاليا، ثم تحكي له عن تفاصيل رحلتها لإيطاليا، وأنها أحست وكأنها زارتها من قبل وكأنها عاشت في عصر آخر، وكأن هناك تناسخ في الأرواح، وهي تتخيل موكب كليوباترا وهو يمر في إيطاليا وهي في الأسر والكل يحاول النيل منها، ولكنها قوية تقاوم ولا تهتم، تتحدث عنها وكأنها رمز للمرأة المصرية أو للمرأة بوجه عام، وتقول أنها برغم الشكل الغزلاني فهي ليست ناعمة أو ضعيفة، فهي قوية وصامدة أمام كل الوحوش الذين يرغبون في النيل منها، حتى أنها لا تصدق قصة انتحارها وتذكر بقصة أخرى سمعتها عن أنها عاشت مرفوعة الرأس. وهكذا تنساب الحواديت وتتنوع في أفكارها وشخصياتها، ومع كل حكاية يتغير رجل الحواديت، ولكن لا تتغير الأحلام والآمال، ولا يتغير صراع الإنسان الممتليء بالتفاؤل والحيوية مع الحياة، والأرض التي يود أن يعمرها لكي تخلد عليها ذكراه ، ولكي يحس بأنه أدى رسالته في الحياة وأنه لم يخرج منها كما دخلها، وأنه يصل بواقعه لمدى من الرقي والجمال أبعد من الخيال. (خدمة وكالة الصحافة العربية)
مشاركة :