خطيب الحرم النبوي: من ثمار الإيمان بأسماء الله وصفاته حسن الظنّ به والاعتماد عليه

  • 1/5/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

تواصل – فريق التحرير: شدّد فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم على أهمية حسن ظنّ العبد بخالقه سبحانه, الذي بيده كل شيء, رزقه وصلاح أمره كله, مُؤكِّدَاً أن من ثمار الإيمان بأسماء الله وصفاته حسن الظنّ به جلّ وعلا, والاعْتِمَاد عليه وتفويض الأمور إليه. وقال فضيلته في خطبة الْجُمُعَة التي ألقاها اليوم: إن العبادة اسم جامع لكل مَا يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأَعْمَال الظاهرة منها والباطنة, ودخول أَعْمَال القلب في الإيمان أولى من دخول أَعْمَال الجوارح, فالدين القائم بالقلب من الإيمان علماً وحالاً هو الأصْل المقصود والأَعْمَال الظاهرة تبع ومتمة, ولا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب, فهو روح العبادة ولبّها, وَإِذَا خلت الأَعْمَال الظاهرة منه كانت كالجسد الموات بلا روح, وبصلاح القلب صلاح الجسد كله, قَالَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (ألا وإن في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح الجسد كله, وَإِذَا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب) متفق عليه. وأَضَافَ أن من آكد أَعْمَال القلوب حسن الظنّ بالله فهو من فروض الإسلام وأحد حقوق التوحيد وواجباته, ومعناه الجامع كل ظنّ يليق بكمال ذات الله سبحانه وأسمائه وصفاته, فحسن الظن بالله تعالى فرع عن العلم به ومعرفته, ومبنى حسن الظنّ على العلم بسعة رحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وعلمه وحسن اختياره, فإذا تَمَّ العلم بذلك أثمر للعبد حسن الظنّ بربه ولا بد, وقد ينشأ حسن الظنّ من مشاهدة بعض أسماء الله وصفاته, ومن قَامَ بقلبه حقائق معاني أسماء الله وصفاته قَامَ به من حسن الظنّ مَا يناسب كل اسم وصفة لِأنَّ كل صفة لها عبودية خَاصَّة, وحسن ظن خاص بها. وَتَابَعَ إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ يقول: إن كمال الله وجلاله وجماله وأفضاله على خلقه موجب حسن الظنّ به جلّ وعلا, وبذلك أمر الله عباده, إِذْ قَالَ سبحانه: “وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” وقال سفيان الثوري رَحِمَهُ اللَّهُ: (أحسنوا الظنّ بالله), وَأكَّدَ رسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته على ذلك لعظيم قدره, قَالَ جابر بن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: سمعت رسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته بثلاثة أيام, يقول: (لا يموتنّ أحدكم إلا وَهُوَ يحسن الظنّ بالله عَزَّ وَجَلَّ). رواه مسلم. وأَوْضَحَ الشيخ عبدالمحسن القاسم أن الله جلا وعلا امتدح عباده الخاشعين بحسن ظنّهم به, وجعل من عاجل البشرى لهم تيسير العبادة عليهم وجعلها عوناً لهم, فقال تعالى: “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِين الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”. وذكر فضيلته ثمرة حسن الظنّ بالله في العديد من المواقف, مُشِيرَاً إلى سيّر الرسل عليهم السلام الذين نالوا المنزلة الرفيعة في معرفتهم بالله ففوّضوا أمورهم إِلَيْهِ حسن ظنٍ منهم بربهم, فإبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ ترك هاجر عند البيت وليس بمكة يومئذٍ أحدٌ, وليس بها ماء ثمّ ولّى إبراهيم منطلقاً فتبعته وقالت: “يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي, الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقَالَتْ له ذلك مراراً, وجعل لا يلتفت إليها, فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال, نعم, قَالَتْ: إذن لا يضيعنا” رواه البخاري, فكان عاقبة حسن ظنها بالله مَا كان, فنبع ماء مبارك, وعمر البيت, وبقي ذكرها خالداً, وصار إسماعيل نبياً, ومن ذريته خاتم الأنبياء وإمام المرسلين. وأَفَادَ أن بني إسرائيل لحقهم من الأَذَى مَا لا يطيقون, ومن عظم الكرب يبقى حسن الظنّ بالله فيه الأمل والمخرج, فقال موسى عَلَيْهِ السَّلَامُ لقومه: “اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ”. واشتد الخطب بموسى عَلَيْهِ السَّلَامُ ومن معه, فالبحر أمامهم وفرعون وجنده من ورائهم وحينها “قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ” فكان الجواب من النبي الكليم شاهداً بعظيم ثقته بالله وحسن ظنّه بالرب القدير, “قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ”, فأتى الوحي بما لا يخطر على بال, “فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِين ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ”. وبيّن أن أعظم الخلق عبودية لله وحسن ظنٍ به, نبينا محمد صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, آذاه قومه فبقي واثقاً بوعد الله ونصره لدينه, قَالَ له ملك الجبال إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ويوحده, لا يشرك به شَيْئَاً) رواه البخاري. وأَضَافَ, أن في أشد الضيق وأحلكه لا يفارقه حسن الظنّ بربه؛ إِذْ أخرج من مَكَّة وفي الطريق أوى إلى غار فلحقه الكفار وَإِذَا بهم حوله, فيقول لصاحبه مثبتاً إياه: “لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا” قَالَ أبو بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (قلت للنبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا, فقال: “ما ظنك يا أبا بكر باثْنَيْنِ الله ثالثهما) رواه البخاري, ومع مَا لاقاه من أَذَى وكرب وإِخْرَاج من بلده وقتال من كل جانب, إلا أنه واثق ببلوغ هذا الدين إلى الآفاق على مرّ العصور, وكان يقول: (ليبلغن هذا الأَمْر مَا بلغ الليل والنهار, ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله الله هذا الدين, بعز عزيز أو بذل ذليل) رواه أحمد. وَأَبَانَ فضيلته أن الصحابة رضوان الله عليهم أشد الخلق يقيناً بحسن ظنّهم بالله بعد الأنبياء, فقال تعالى: “الذين قَالَ لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقَالُوا حسبنا الله ونعم الوكيل” مورداً قول عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (أمرنا رسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَاً أن نتصدّق فوافق ذلك مالاً عندي, فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يَوْمَاً فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عه وسلم: مَا أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بكل مَا عنده, فقال له رسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أبقيت لأهلك, قَالَ: أبقيت لهم الله ورسوله) رواه أبو داوود. وخديجة سيدة نساء العالمين, جاءها النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول مَا بدأ الوحي فقال: (لقد خشيت على نفسي) فقَالَتْ خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أَبَدَاً إنك لتصل الرحم, وتحمل الكلّ, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق) متفق عليه. وبيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ أن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره, ليس تألياً, وإنما حسن ظنّ به تعالى, والمؤمن من شأنه حسن الظن بربه في كل حين وعلى كل حال, وأولى مَا يكون كذلك إذا دعاه وناجاه, موقناً بقربه وأنه يجيب من دعاه ولا يخيب من رجاه, ومن أسْبَاب قبول التوبة حسن ظنّ صاحبها بربه, قَالَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فيما يروي عن ربه: (أذنب عبدي ذنباً, فعلم أن له رباً يغفر الذنب, ويأخذ بالذنب, اعمل مَا شئت فقد غفرت لك) رواه مسلم. وَأكَّدَ أن المخرج عند الضيق حسن الظنّ بالله, فالثلاثة الذين لم يكشف عنهم مَا حلّ بهم من الكرب إلا حسن ظنّهم بالله, قَالَ تعالى: “وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”. وأَضَافَ الشيخ عبدالمحسن القاسم أن في حسن الظنّ بالله امتثال أمره, وتحقيق عبوديته, وللعبد من ربّه مَا ظنّ به, لقوله عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (يقول الله: أنا عند ظنّ عبدي بي, وأنا معه إذا ذكرني) متفق عليه, فهو سبحانه واسع المغفرة والعطاء, فمن أحسن الظنّ به في غناه وكرمه ومغفرته أعطاه سؤله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: من يدعُني فأستجب له؟ ويده ملأى لا تغيضها نفقة سحّاء الليل والنهار, والله تواب يفرح بتوبة العباد ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, ومن كمال صفاته لا يرد من أقبل عليه. وبيّن أن من أحسن الظنّ بربه, سخت نفسه وجاد بماله موقناً بقوله تعالى: “وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ”، فالله سبحانه يعامل عباده على قدر ظنونهم به, والجزاء من جنس العمل, فمن ظنّ خيراً فله ذلك, ومن ظنّ سواه فلا يلومنّ إلا نفسه, قَالَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (قال الله عَزَّ وَجَلَّ أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي مَا شاء, إن ظنّ بي خيراً فله وإن ظنّ شراً فله) رواه أحمد.

مشاركة :