إعداد: وائل بدر الدين لطالما كانت البنوك العالمية تتمتع بميزة النفاذ إلى القدر الأكبر من البيانات الشخصية للعملاء، فمن الحسابات الجارية والبطاقات الائتمانية التي تتطلب في الأغلب الحصول على الكثير من التفاصيل والمعلومات التي تمثل حلماً لمنافسي التكنولوجيا المالية، إلا أن الوضع الآن في أوروبا يشير ربما إلى تغييرات جذرية ستطرأ على الأوضاع. فاعتباراً من الثامن من يناير/ كانون الثاني الجاري، ستكون البنوك العاملة في دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بمشاركة بيانات عملائها مع جهات أخرى بعد الحصول على موافقة العميل.يأمل المشرعون في الاتحاد الأوروبي، ومن خلال تدشين مقترح خدمات الدفع المعدل «PSD2»، إلى منح الجهات غير العاملة في القطاع المصرفي فرصة لمنافسة البنوك في مجال خدمات الدفع الإلكترونية، ما سيوفر للعملاء المزيد من الخيارات فيما يتعلق بأنظمة الدفع والخدمات المالية. وقامت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية بإصدار تشريع مشابه يسمح للعملاء بمشاركة بياناتهم لدى البنوك مع جهات وبنوك أخرى، ما يسمح لتلك الجهات إمكانية النفاذ إلى بيانات العملاء والمعلومات الخاصة بحساباتهم.وتمثل هذه الإجراءات الجديدة جزءاً من تحول واسع في المفاهيم المعروفة ب «انفتاح النظام المصرفي»، حيث يقول المؤيدون، إنه وبالعمل وفقاً لتلك القوانين، فإن شركات تكنولوجية كبرى مثل أمازون أو «آي بي ام» يمكنها العمل لإصدار منتجات مالية جديدة بالاستفادة من تلك البيانات. ماذا يعني ذلك بالنسبة للبنوك؟ بموجب تلك التوجيهات الجديدة، سيكون لزاماً على البنوك إنشاء منافذ برمجية تمكن الجهات الأخرى من النفاذ بأمان إلى البيانات الخاصة بها، وستعمل تلك المنافذ البرمجية كقنوات للمطورين للحصول على البيانات وتشكيل منتجاتهم، بما يتناسب مع المعلومات التي حصلوا عليها، ويمكن أن تمثل تلك المعلومات أداة للتعرف بشكل أعمق إلى العملاء، مثل توجهات الإنفاق والتاريخ الائتماني، الأمر الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إصدار منتجات جديدة تناسب جميع التوجهات والاحتياجات الخاصة بالعملاء.وفي ذلك قالت آن بودن، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لتطبيق «ستارلينج» المصرفي الذي يعمل على الهواتف الذكية، إنه وفي عالم يتوجه نحو انفتاح الأنظمة المصرفية، فإنه سيصبح في إمكان العملاء التمتع بخيارات أوسع، ومنتجات مالية جديدة في سلسلة الخدمات المقدمة، مشيرة إلى أنه يجب على كل بنك المساهمة بشكل أو بآخر في شغل واحدة على الأقل من مراحل سلسلة الخدمات.وتقوم حالياً بعض البنوك الأوروبية بإرسال إشارات تحذر من الوضع التنافسي للبنوك في العالم، بعد تطبيق مقترح خدمات الدفع المعدل «PSD2»، بيد أنها قامت في الوقت ذاته بإنشاء منصات رقمية، تضمن الوصول إلى بيانات العملاء قبل سريان التوجيهات الجديدة. واتخذ بنك «اتش اس بي سي» العالمي خطوات فعلية لاستباق تنفيذ التوجيهات؛ إذ أطلق مؤخراً نسخة تجريبية من تطبيق يمكن عملاءه من الاطلاع على جميع تفاصيل حساباتهم المصرفية، بما في ذلك بياناتهم التي في حوزة بنوك أخرى منافسة.ومن المتوقع أن يكون التطبيق الذي يطلق عليه اسم «مجمع الحسابات» جزءاً أساسياً من النظام المصرفي المفتوح، وهو ما سيعزز التكامل في النظام المصرفي، وليس التنافس بين البنوك في الاحتفاظ ببيانات العملاء. وقال إيان ماكدوجال، مدير مؤسسة التكنولوجيا المالية البريطانية «سترايب»، إن النظام المصرفي المفتوح يشجع البنوك على التكامل فيما بينها، علاوة على تحقيق التكامل التام بينها والمؤسسات المالية الأخرى، التي لا تندرج تحت مظلة القطاع المصرفي، مشيراً إلى أن جميع التكهنات التي تشير إلى أن نهاية البنوك قريبة بسبب قانون القطاع المصرفي المفتوح لا تمت للواقع بأي صلة.الرابح الأكبر تستعد عشرات شركات التكنولوجيا المالية في أوروبا للاستفادة من القانون الجديد، حيث إن تمكينهم من الاطلاع على بيانات البنوك سيمكنها من طرح منتجات وخدمات مالية جديدة، علاوة على ذلك، فإن الخطوة الجديدة ستمنح البنوك الأقل حجماً فرصة لمنافسة البنوك الكبرى، من حيث زيادة رصيدها من العملاء، والتسويق لمنتجاتها وخدماتها بشكل أكبر، وتوسيع قاعدة بياناتها، علاوة على أن شركات للتكنولوجيا المالية مثل «ستارلينج» و«مونزو» ترغب في تحويل النظام المصرفي ليصبح عبارة عن سوق مفتوحة، وذلك من خلال ربط العملاء بالعديد من المنتجات والخدمات المالية المتاحة، بما فيها منتجات المزودين الآخرين في التطبيقات الذكية، وهو ما أكده الرئيس التنفيذي لشركة «مونزو» للتكنولوجيا المالية، حين قال إنه يسعى لأن تكون شركته منصة أو مركزاً للتحكم وسوقاً للمنتجات المالية الجديدة.ودفع القانون الجديد شركات تكنولوجيا مالية إلى تغيير نماذج أعمالها بالكامل، مثل شركة «ماركت انفويس»، بالتحول من خدمات الفواتير الرقمية، إلى ممارسة أنشطة النظام المصرفي نفسه، حيث قال أنيل ستوكر، الرئيس التنفيذي للشركة، إنه وبناءً على مقترح خدمات الدفع المعدل «PSD2»، الذي سيتم تفعيله وتطبيقه في الثامن من يناير القادم، فإنه سيكون بمقدور شركات التكنولوجيا المالية النفاذ إلى المعلومات المصرفية للشركات الصغيرة، والاستفادة من التكنولوجيا المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي، والذي سيمكن تلك الشركات من رفع تصنيفاتها الائتمانية. وأشار ستوكر إلى أن شركته ستتمكن أخيراً من إدارة الخدمات المالية بشكل يومي، مثلما تفعل البنوك، والتي تتضمن مثلاً أنشطة الرهن العقاري.ويعتقد البعض أن عمالقة التكنولوجيا العالميين، مثل «فيسبوك» و«أمازون» و«آي بي ام» ستسحب البساط تماماً من البنوك الملزمة بذلك القانون، خصوصاً إذا ما تم إجبارها على مشاركة بياناتها بصورة مباشرة معها، ويقول مراقبون إن استفادة شركات التكنولوجيا المالية وعمالقة التكنولوجيا ستكون كبيرة جداً، إلى المدى الذي سيزعج البنوك التي ستخسر ميزة احتكار البيانات، ولكنها في المقابل ستحصل على بيانات البنوك الأخرى. ولكن على الرغم من ذلك، لم يتمكن خبراء من توقع المشهد الخاص بالخدمات المالية، خلال الفترة المقبلة، ما عدا النمو الكبير الذي ستحققه شركات التكنولوجيا المالية. التخلي عن البيانات قال محللون، على الجانب الآخر، إن القلق يتمحور الآن حول إمكانية عدم قدرة البنوك على التماشي والتعايش مع الإجراءات الجديدة، حيث إن تقبل البنوك الأوروبية لفكرة التخلي عن بياناتها لجهات أخرى لن يحدث بين ليلة وضحاها، بل إن المسألة ستمر بعدة مراحل قبل أن تصل مرحلة النضج الكامل، بالنظر إلى أنها المرة الأولى التي تواجه فيها البنوك هذا الأمر. ورجح مراقبون أن تجد البنوك فرصة مؤقتة وثغرات قانونية للتلاعب على القانون الجديد، الذي لن يكون حتما خالياً من العيوب والثغرات. ثقة العملاء على المحك البنوك الأوروبية ما زالت تتباهى بعلاقاتها التي تصفها بالقوية مع عملائها، على العكس من الشركات المالية الصاعدة، وفي ذلك قال رامان باهاتيا رئيس قسم الخدمات الرقمية ببنك «اتش اس بي سي» في مقابلة سابقة مع قناة سي إن بي سي إن البنوك استفادت من تاريخها الذي تبرز فيه ثقة العملاء فيها، حيث أشار إلى أن البنك استعد جيدا للتغيرات القادمة ولا يراوده أي شعور بأنه سيخسر عملاءه بشكل مباشر. ولكن ورغم ما أكده باهاتيا، فإن عددا من البنوك البريطانية لم تلتزم حتى الآن بتطبيق التوجيهات الجديدة، وهي البنوك التي تشمل مؤسسات كبرى مثل «باركليز» و«آر بي اس» و«سانتاندر»، التي خالفت الموعد النهائي عبر عدم امتثالها للتطبيق الأولي للقانون، غير أن السلطات المالية الأوروبية منحتها مزيدا من الوقت للتماشي مع توجيهاتها.وقال متحدث باسم البنك إن «اتش اس بي سي» ملتزم بتطبيق برنامج النظام المصرفي المفتوح، بعد أن أكد أن تلك الخطوات ستعزز من قدرة البنك على تنويع خدماته والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من العملاء، استنادا إلى البيانات التي سيكون في مقدوره الحصول عليها من البنوك الأخرى. جماعات ضغط عارضت العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى وجماعات الضغط من ذوي المصالح، في مايو / أيار 2017، خططا للسلطات المالية الأوروبية تهدف إلى تضييق نطاق قوانينه الخاصة بالنظام المصرفي المفتوح، وذلك من خلال حظر آلية تعمل على نسخ البيانات من واجهة نظام إلى آخر. وقام الاتحاد الأوروبي في اكتوبر الماضي بمداهمة مكاتب مجموعات مصرفية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بسبب مزاعم تتهمها بمحاولة منع شركات التكنولوجيا المالية من النفاذ إلى بيانات الحسابات الخاصة بالعملاء.
مشاركة :