عندما تكون البالونات رمزاً للأمل

  • 1/6/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعدما ظهرت صورة مؤثرة لفتاة تجتمع مرة أخرى بعائلتها في شكل موقت على الحدود الأميركية المكسيكية، تنظر الصحافية كيلي غروفير إلى صور أخرى رائعة تناولت الحواجز الحدودية التي تقف أمام حرية البشر. فتاة صغيرة تقف بجوار جدار فولاذي ضخم يمتد إلى أبعد ما يمكن للعين أن تراه في ذلك الأفق القاحل الذي يظهر بوضوح خلف تلك الفتاة. ويختفي جسدها جزئياً خلف ثنايا ذلك الجدار المعدني الضخم الذي يكسوه الصدأ، والذي يرتفع عالياً كأنه يشق تلك السماء التي تميز أواخر فصل الخريف. وعلى رغم أن ذلك الحاجز الحديدي الذي يفصل بين الفتاة وبين أعضاء آخرين من عائلتها يعيشون على الجانب الآخر من الحدود، تبدو الفتاة، للحظة على الأقل، غير عابئة بذلك البناء الذي يتسم بالقسوة، ويغطيها بظلاله. وتنظر عيناها بشغف إلى بالون صغير أبيض يرتفع فوقها قليلاً، بينما تمسك بيدها اليمنى خيطاً ربط بطرفه ذلك البالون، وتختفي تلك اليد خلف بعض أجزاء ذلك الجدار الضخم. ويبدو أن الجمال البسيط لذلك البالون الأبيض الذي يتناقض مع ذلك السطح الحديد للجدار الذي يعلوه الصدأ منذ فترة طويلة، يضفي فرحة على تلك الفتاة في مشهد كأنه حلم سعيد من أحلام اليقظة. كانت تلك الصورة المؤثرة قد التقطت خلال فعالية بعنوان «لنبقي أحلامنا حية» نظمتها مؤسسة «شبكة الحدود لحقوق الإنسان» في بمدينة ثيوداد خواريز الواقعة على الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة، جنوب مدينة «إيل باسو» الأميركية في تكساس. وللاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، سعت المؤسسة إلى لم شمل بعض العائلات الذين فرقتهم الحدود بين البلدين. واستمرت تلك اللقاءات التي تهدف الى جمع العائلات لنحو ثلاث دقائق فقط. وجمعت بين الآباء وأبنائهم، أو بين الأحفاد وأجدادهم (سُمح لهم فقط برؤية بعضهم عبر تلك الفواصل الحديدية الضخمة). وكان الاتصال البشري الفعلي يقتصر على ما يمكن أن تمتد إليه ذراع أحدهم من بين تلك الفواصل الحديدية الضخمة، لملاطفة أحد أفراد العائلة أو محاولة معانقته. وفي ذلك المشهد، يشتبك البالون المرتفع قليلاً وبرفق فوق الفتاة مع ذلك الجدار الضخم الذي يغطيه الصدأ، في مشهد يجعل تركيزنا منصباً أيضاً نحو الفتاة، وتلك الأرض القاحلة التي تظهر من خلفها. وتعكس تلك الدراما الهادئة التي تظهرها الصورة الانقسام بين بهجة تلك الروح التي تحلق مع البالون، وبين الواقع الذي يحظر على الأجساد أن تلتقي من تحب. وما يزيد من تضارب هذا المشهد هو شخصية تلك الفتاة نفسها التي تبدو كأنها تحلق مع ذلك البالون بلا جهد يذكر، في محاولة منها للانتقال من ذلك الجانب من الجدار إلى الجانب الآخر، وكأنها تجسد واسطة بريئة بين عالمين منقسمين. وتجسدت مكونات تلك الصورة القوية والمثيرة للفضول، والتي تجمع بين جدار حدودي كئيب، وفتاة صغيرة، وبالون مبهج يرتفع فوق الفتاة، من قبل في لحظة بصرية أخرى كأنها أبيات شعرية ناطقة. ففي أغسطس (آب) عام 2005، أثار رسام الغرافيتي الغامض الذي يحمل اسم «بانكسي» - والذي اعتاد أن يترك رسومه على الجدران من حين الى آخر في بريطانيا وأماكن أخرى حول العالم - جدلاً واسعاً عندما حوّل تركيزه من الرسم على جدران الشوارع في بريطانيا إلى الرسم على الجدار العازل المثير للجدل في رام الله، والذي بدأت إسرائيل إنشاءه في عام 2000. وترك ذلك الفنان البريطاني الذي يتخفى عن الأنظار ويتسلح فقط بصفيحة رقيقة مفرغة تحمل شكل رسومه (تعرف باسم صفيحة ستَنْسِل)، وعبوة تحتوي على مادة رش سوداء، لوحة غرافيتي فوق ذلك الجدار الخرساني العازل تتحدى الجاذبية، وتظهر فتاة صغيرة تحلق في الهواء في شكل سحري بواسطة مجموعة من البالونات. وتخلق تلك الصورة الثابتة للفتاة التي رسمت على ذلك الجدار الكئيب، وتنقل شعوراً بالمرح والبهجة أيضاً، رمزاً غامضاً من رموز الأمل المقيد. وتبقى تلك الصورة الوصفية البسيطة للفنان بانكسي، وصورته الحديثة والعميقة التي رسمها على الجدار الحدودي بين أميركا والمكسيك، علامتين بارزتين فوق خريطة مكان آخر يمكن تخيله في هذا العالم، وهو مكان مفعم بالأمل، تذوب فيه الحواجز.

مشاركة :