باريس: ميشال أبو نجم بينما تتكثف الاتصالات الدولية حول الضربة العسكرية المرتقبة ضد النظام السوري في الأيام القليلة المقبلة، سعى رئيس الائتلاف الوطني السوري إلى طمأنة السوريين إلى أن المقصود بالضربة هو النظام الذي وصفه بـ«المجرم» معتبرا أن الجريمة التي ارتكبها باستخدامه السلاح الكيماوي على نطاق واسع يوم 21 أغسطس (آب) «لن تفلت من العقاب». وقال أحمد عاصي الجربا في كلمة مختصرة إلى الصحافة عقب لقائه الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه: «أقول للشعب السوري ولأهلنا في سوريا بجميع مشاربهم: إن أي عقاب لن يطال إلا هذا (المجرم)، ولن يصيب إلا آلة القتل التي تدمرنا والسلاح، الذي لم يستعمله إلا ضد هذا الشعب». وطالب الجربا الذي التقى الرئيس فرنسوا هولاند للمرة الثانية في نحو الشهر بأن يكون هناك «ردع قوي أممي ودولي من حلفاء الشعب السوري» ضد نظام الأسد. وتعكس هذه الإشارة الخفية، وفق مصدر سوري معارض في باريس، مخاوف الائتلاف مما يتداول من معلومات حول محدودية الضربة العسكرية التي تنوي دول التحالف الدولي توجيهها للنظام السوري. بيد أن مصادر فرنسية رئاسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن أهداف هذه الضربة لم تتبدل، وهي ثلاثة: معاقبة النظام على استخدامه السلاح الكيماوي في ضواحي دمشق وردعه عن اللجوء مجددا إليه في المستقبل، وإضعاف قوته وإفهامه أن تحقيق الانتصار ميدانيا غير مسموح به، وبالتالي تسهيل الذهاب إلى الحل السياسي عبر مؤتمر جنيف 2. وفي هذا السياق، أكد الرئيس هولاند أنه «يتعين القيام بكل ما هو ممكن من أجل التوصل إلى حل سياسي في سوريا». بيد أنه ربط هذا الهدف بشرطين متلازمين: الأول، أن يبدو الائتلاف قادرا على أن يكون بديلا للنظام يمتلك القوة اللازمة خصوصا جيشه والسبيل إلى ذلك توفير المساندة والدعم لها من جهة وثانيا أن يتصدى المجتمع الدولي للتصعيد في دورات العنف والقتل التي كانت أبرز حلقاتها استخدام السلاح الكيماوي في إشارة واضحة إلى الحاجة لضربة عسكرية ضد قوات النظام. وبينما جدد هولاند تأكيده أن «المجزرة الكيماوية (التي قام بها النظام) تستدعي ردا مناسبا من الأسرة الدولية» وهو ما سبق أن قاله أمام سفراء فرنسا في العالم يوم الثلاثاء الماضي، أعلن أن بلاده «ستوفر كل الدعم السياسي والإنساني والمادي» للمعارضة السورية، وهو ما تقوم به منذ شهور، مضيفا أنها تتطلع إلى ما يمكن أن توفره بلدان الخليج من مساندة في إشارة واضحة إلى الدعم العسكري. غير أن هولاند لم يكشف عن تطور في موقف باريس لجهة عزمها، على توفير السلاح النوعي الذي تطلبه المعارضة، علما أن الموضوع قد بحث في الاجتماع وفق ما أشارت إليه مصادر سورية وفرنسية على اطلاع على ما دار فيه. وشكر الجربا «كل أصدقاء الشعب السوري» للمساعدة التي يقدمونها. غير أنه خص منها فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا. ويقوم الجربا بجولة أوروبية شكلت باريس محطتها الأولى. وحضر اجتماع الإليزيه من المعارضة السورية، إلى جانب الجربا، «سفيرها» في باريس منذر ماخوس ورئيس المجلس الوطني السابق برهان غليون. وكان الجربا قد طالب في مقابلة نشرتها صحيفة «لو باريزيان» أمس بأن تتخذ الأسرة الدولية «قرارا شجاعا» للتدخل في سوريا وتوجيه ضربة قاضية للرئيس السوري «من أجل أن يختفي هذا النظام». كما أنه في المقابلة نفسها اشتكى من ضآلة الدعم الفعلي الذي يحصل عليه الائتلاف والجيش السوري الحر بينما جيوش الأسد «لا ينقصها شيء». وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس مستمرة في اتصالاتها مع كافة الجهات ومن بينها روسيا التي وصفت تحركاتها وتصريحاتها بأنها من باب «الرد الإعلامي» مضيفة أن الغربيين «لا يتخوفون من رد الفعل الروسي». أما فيما خص التأخير، الحاصل في توقيت الضربة بعد ظهور نوع من المعارضة داخل البلدان التي تشكل رأس حربة التدخل في سوريا، فقد أكدت هذه المصادر أنه «ليس هناك تأخير بل توفير أفضل الشروط لتحقيق أهدافنا المعروفة في سوريا». وأفادت هذه المصادر أن عمل قوات التحالف التي ستتولى العملية العسكرية في سوريا سيكون «متدرجا» بمعنى أن الردود اللاحقة «ستكون رهنا بما سيقوم به النظام» ما يعني أن هذه الضربة العسكرية ربما لن تكون الأولى والأخيرة بل يمكن أن تتكرر بحسب التطورات التي ستحصل ميدانيا. ولم يعرف بعد طبيعة المشاركة الفرنسية الفعلية الضربة العسكرية، بينما لا يبدو الرأي العام الفرنسي، وفق ما نشرته استطلاعات الرأي «متحمسا» للحرب في سوريا. وإذا ما ساهمت فرنسا فعليا فيها، فإنها ستكون المرة الثانية خلال ثمانية أشهر التي يأمر فيها الرئيس ، هولاند قواته بالمشاركة في ضربات عسكرية وكانت الأولى في مالي. وفي كلمته الختامية أمام مؤتمر السفراء الفرنسيين حول العالم، أكد وزير الخارجية لوران فابيوس أن فرنسا وشركاءها «يحضرون الرد الضروري» على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، داعيا لأن يكون «مدروسا ومتناسبا وحازما». واستطرد قائلا إن ما قام به النظام «جريمة ضد الإنسانية ولا يمكن أن تبقى من غير عقاب». واستبعد الوزير الفرنسي في لقاء جانبي بعد كلمته أن يلجأ الغربيون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على قرار منها يجيز اللجوء إلى القوة في سوريا بالنظر لصعوبة استحصال قرار من مجلس الأمن بسبب المعارضة الروسية - الصينية والاستخدام المؤكد لحق «الفيتو». وبصدد الرد العسكري المنتظر، ميز فابيوس بين «معاقبة النظام السوري على ما ارتكبه» من جهة، وبين الحاجة لحل سياسي لمجمل المسألة السورية من جهة أخرى، قائلا إن العملية العسكرية، في حال حصولها، «ستكون مرتبطة بالجانب الأول». وعلى أي حال، ترى باريس أن «مساوئ عدم الرد تفوق بأضعاف مساوئ الرد» إذا كانت هناك من مساوئ. غير أن التحول في الموقف البريطاني المتمثل بقرار رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الحصول على ضوء أخضر من مجلس العموم ينظر إليه في باريس على أنه سيستدعي تأخرا في القيام بالضربة العسكرية. لكن فابيوس رفض التعليق على ذلك كما رفض الربط بين تاريخ الضربة وبين قمة العشرين التي ستحصل في سان بترسبورغ يومي 6 و7 سبتمبر (أيلول) المقبل التي كانت مصادر فرنسية أخرى قالت عنها صباح أمس إنها «ستكون بالضرورة متوترة» بالنظر للاختلاف على الملف السوري، أحصلت الضربة قبل القمة أم لم تحصل.
مشاركة :