من الأمراض الاجتماعية التي أفرزتها لنا المدنية الحديثة هذا التباعد الحاصل بين الآباء والأمهات وبين أبنائهم وبناتهم. صحيح أننا كوالدين نعيش مع أبنائنا وبناتنا في نفس المنزل أو في نفس الشقة، لكننا لا نلتقي بهم إلا لماما، ربما في غرفة الطعام أو في غرفة الجلوس، وربما تبادلنا معهم التحية أو الحديث لدقائق قليلة، لكن يذهب كل منا إلى سبيله، وكأننا تعرفنا على بعضنا البعض في حافلة أو عربة قطار. الأب يخرج صباحا مسرعا إلى مقر عمله ولا يعود إلا عصرا وهو منهك «فيلحس الغداء» ثم يذهب لينام، حتى إذا ما صحا من نومه ذهب إلى أصدقائه ليتسامر معهم إلى منتصف الليل.. والأم كذلك – إذا كانت موظفة – تجهز الفطور بسرعة لزوجها وأطفالها، ثم تخرج مسرعة لمقر عملها حتى لا تحصل على لفت نظر أو إنذار بسبب تأخرها المتكرر بسبب مشاغل البيت وازدحام الشوارع والطرقات. فإذا ما عاد الوالدان إلى المنزل لم يجدا الفرصة للجلوس مع أبنائهم وبناتهم وتدارس مشاكلهم، فالأبناء والبنات لكل منهم غرفته الخاصة التي يجلس فيها أمام الكمبيوتر والانترنت ويقضي الساعات الطوال وهو يدردش مع أصدقائه عن طريق الجات وغيرها من وسائل التواصل الإنترنتي، ويتأفف إذا ما دخل عليه والده أو أمه لمناقشته في أمر ما يخصه. أصبح كل منا غريبا عن أبنائه وبناته، انعدمت لغة الحوار بيننا وبينهم، لا نعرف كيف نوجههم، ولا كيف ننصحهم، يتكلمون بالساعات مع أصدقاء لهم خارج البحرين وربما كونوا علاقات بريئة أو غير بريئة معهم، لكننا – كآباء وأمهات - لا نحصل على دقائق للحديث معهم.. فهل هذا أمر معقول؟!!. ومما لا شك فيه أن ظهور وسائل الاتصال التكنولوجیة الحدیثة أحدثت طفرة في المجتمع ونتجت عنها سلوكیات مختلفة، سواء كانت إیجابیة أو سلبیة، وعلى الرغم من ایجابیات وسائل الاتصال الحدیثة فإن سلبیاتها طغت على إیجابیاتها. ولفترة طویلة ظلت الأسرة والمدرسة تلعبان دورا أساسیا في تكوین مدارك الإنسان وثقافته وتسهمان في تشكیل القیم والأخلاق التي یتمسك بها ویتخذها كمقومات للسلوك الاجتماعي بما فیها علاقات الوالدين بالأبناء. أما الیوم فقد انتقل جزء كبیر من هذا الدور إلى شبكات الإنترنت والهواتف المحمولة والألعاب الإلكترونیة، الأمر الذي حل محل الحوار والمحادثة بین أفراد الأسرة الواحدة، وأدى إلى توسیع الفجوة والصراع بین الوالدين والأبناء.. وهذه التحولات التكنولوجیة أفرزت تفاعلات جدیدة للعلاقات الأسرية وأدت إلى تعزیز العزلة والتنافر بین أفرادها وتلاشي قیم التواصل الأسري واستبدل الأبناء الانترنت بآبائهم وأمهاتهم، كمصدر للمعلومات وفقدوا الترابط الأسرى والتصقوا بالحوار مع الغرباء لدرجة الشعور بالغربة على مستوى الأسرة الواحدة، واستخدام بعض التطبیقات التي تتیح للشخص تقمص شخصیة وهمیة تتیح له التفاعل مع مجتمع وهمي وأصدقاء وهمیین. فكيف يمكن أن نعود إلى أبنائنا وبناتنا بعد أن أبعدتنا عنهم بعض الأجهزة المدنية الحديثة؟ سؤال نوجهه إلى التربويين والإجتماعيين لعلنا نجد عندهم الجواب الشافي على هذا السؤال.
مشاركة :