السيدة مارية ماتت في عهد أمير المؤمنين، سيدنا عمر بن الخطاب، الذي حشد لها عددا كبيرا من الصحابة، من المهاجرين والأنصار، ليشهدوا جنازتها المهيبة، وبعد الصلاة عليها، دفنت بالبقيع، إلى جانب نساء أهل البيت النبوي تمخض نقاش جانبي بين نخبة صديقة، في إحدى مجموعات وسائل التواصل، عن أن السيدة مارية بنت شمعون القبطية، رضي الله عنها، لا تستحق لقب (أم المؤمنين)، على الرغم من أنها ولدت للنبي، صلى الله عليه وسلم، ولدا، هو سيدنا إبراهيم، رضي الله تعالى عنهما، الذي مات بعد ثمانية عشر شهرا، من إعلان الفرح بولادته: «وُلِدَ لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم»؛ وأبكته لحظات نزاعه الأخير، فأخذه وقبله، وشمه، ونعاه قائلا، وعيناه تذرفان: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرْضِى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون؛ ولا نقول إلا ما يرضى ربنا..».. الفصل في النقاش السابق عن استحقاق السيدة للقب؛ كان لصالح السابقين القائلين بعدم الاستحقاق، كالطبري، وابن كثير، وابن القيم، رحمهم الله تعالى، الذين أسقطوها رضي الله عنها، من ضمها في قائمة زوجاته صلى الله عليه وسلم، لأنها جاءت أول ما جاءت للرسول صلى الله عليه وسلم، «هدية» أو «جارية»، ذلك أن هذه الصفة كانت محققة مع «مالكها» الأول، «المقوقس عظيم القبط». أنا هنا لا تعنيني النظرة التي ذهب إليها السابقون، حتى وإن لم يطمئن قلبي لها، أو ينسجم عقلي معها؛ والأهم عندي هو الاحتفاظ بالقيمة الكبرى لزوج النبي، وأم ولده؛ سيدتنا مارية، رضي الله عنها؛ التي أنزلها صلى الله عليه وسلم، فور وصولها في ضيافة سيدنا حارثة بن النعمان الأنصاري، وكانت بجوار السيدة عائشة، رضي الله عنها، وكان يقضي معظم الليل والنهار عندها، حتى حزنت لذلك السيدة عائشة، وامتد الحزن لباقي أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن أجمعين، كما أورد ذلك الإمام الطبري؛ فحولها النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى ضاحية من ضواحي المدينة المنورة، وهي «العالية»، عند مكان معروف اليوم بـ«مشربة أم إبراهيم»، وكان يذهب إليها هناك، وبعد سنة تقريبا من حياتهما، أنجبت له ابنه سيدنا إبراهيم، المتقدم ذكره. السيدة مارية، رضي الله عنها، كانت محط هوى النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن وصفها تقول السيدة عائشة: «كانت جميلة من النساء، دعجة، أي عينها واسعة، وشديدة السواد، والبياض.. وكانت بيضاء جميلة..»، ولم تعش مع النبي، صلى الله عليه وسلم، حياة طويلة، فبعد أن هلّ شهر ربيع الأول من العام التالي لوفاة ابنها، توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو راض عنها، وعاشت بعده خمس سنوات وحيدة، حتى ماتت في عهد أمير المؤمنين، سيدنا عمر بن الخطاب، الذي حشد لها عددا كبيرا من الصحابة، من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم، ليشهدوا جنازتها المهيبة، وبعد الصلاة عليها، دفنت بالبقيع، إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، من بنات النبي وعماته، وإلى جانب ابنها سيدنا إبراهيم، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. فقهيا، (أم الولد)، لقب «للأمة المملوكة التي أنجبت من سيدها ولداً استهلَّ صارخاً»؛ وذكر الفقهاء أنها تعتق بمجرد موت والد ولدها، وتصير حرة؛ ولا أدري لماذا والأمر كذلك، يحرمونها من لقب (زوجة)، دون نص مباشر يمنع ذلك؟ وأخشى أن يفهم من المنع والتوقف أنه انتصار لفكرة الرق والعبودية، ونسبتها للإسلام، مع أن الصحيح هو أنه صلى الله عليه وسلم، عندما بُعث كان الرق نظاماً معمولاً به في كل أنحاء الأرض، وقد تعامل معه كواقع، وسعى إلى تخليص الناس منه بمجموعة كبيرة من الأحكام الشرعية، كعقد المكاتبة، والكفارات، والعتق، وغير ذلك.
مشاركة :