شعار رابعة حجب أو صودر من أردوغان لحظة وصوله مطار شارل دي غول أو عند توجّهه لمصافحة إيمانيوال ماكرون في الإيلزيه، ليظهر وعلى عكس العادة محتاطا من إمكانية أن تتغلب عليه نزعته الإخوانية أو العثمانية.العرب وسام حمدي [نُشر في 2018/01/07، العدد: 10862، ص(4)] أسبوعا بعد جولته الأفريقية المثيرة للجدل، زار الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الجمعة باريس آملا في تحسين علاقات بلاده مع عدّة عواصم أروبية عبر توظيف بعض الملفات الإقليمية الحارقة مثل مسألة النزاع في سوريا أو ما شهدته قضية القدس من تطورات دولية. وبعيد عن الأهداف السياسية لزيارة أردوغان لفرنسا أو محاولاته ترميم العلاقات مع ألمانيا، فإن محطّة أردوغان الباريسية استأثرت باهتمام العديد من المتابعين لما تضمّنته من تغيّر جذري في سلوكه أو في خطابه مقارنة بما لوحظ من محاولات إستعراض واستقواء خلال زياراته للسودان ومن ثم تونس. هذه المرة، يبدو أنّ شعار “رابعة” الإخواني قد حُجب أو صودر من أردوغان لحظة وصوله مطار شارل دي غول أو عند توجّهه لمصافحة ايمانيوال ماكرون في قصر الإيلزيه، ليظهر وعلى عكس العادة محتاطا من امكانية أن تتغلب عليه نزعته الإخوانية أو العثمانية وليكتفي بتحية معتادة بيد كاملة لكنّها مُرتعشة. فبعدما صال وجال الحالم العثماني خلال زيارتيه المتعاقبتين الى تونس والسودان، كانت وجهته الباريسية محلّ متابعة من قبل المراقبين الدوليين لا فقط من ناحية المضمون بل من ناحية الشكل أيضا في محاولة لاستبطان واستشفاف الأوهام الجديدة – القديمة لأردوغان في علاقته بأوروبا. فالرجل المتبدّل في باريس، لم يترك تقريبا مكانا في السودان إلاّ ورفع فيه شعار “رابعة” حتّى أنّه أشهره ثلاث مرّات في الخرطوم إلى أن بلغ مقصده الأساسي بظفره جزيرة سواكن الواقعة في البحر الاحمر بعد أن أهداه إياها عمر حسن البشير. حصّل أردوغان جزيرة سواكن ثم غادر الخرطوم وكانت وجهته الثانية تونس، ولم يكد يضع قدماه في مطار تونس قرطاج حتى أشهر بكل تعال شارة رابعة بحضور الرئيس الباجي قائد السبسي. وخلافا لما وقع في السودان فقد كان رد الرئيس التونسي سريعا وساخرا لكن بطريقة لائقة قال فيها حرفيا مخاطبا أردوغان “في تونس علم ولا اثنان لا ثلاثة ولا رابعة”. يستنتج من إمساك اردوغان على رفع شعار رابعة خلال زيارته إلى فرنسا أنّه كان يعلم جيّدا أن كل خطواته ستكون محسوبة ومحلّ مراقبة محللّة ومسلّطة الضوء على خطابه السياسي المُباشر وعلى كل سكناته وتحرّكاته. ويبدو أن الرئيس المهووس بنرجسية أجداده كان يدرك أيضا أنه قد يفتح على نفسه حربا جديدة لا نهاية لها خصوصا أنه كان يضع في الحسبان أن باريس لن تفوّت الفرصة لتفتح من جديد ملف انتهاكات حقوق الانسان التي اقترقها في تركيا عبر سجن الآلاف من الصحافيين والقيادات الامنية والقضاة ونشطاء المجتمع المدني. ورغم إدراكه بأن بعض سياسات بعض الدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وألمانيا تريد خلسة المراهنة مجدّدا على ورقة الاسلام السياسي في المنطقة في محاولة لفضّ ملف المهاجرين غير النظاميين، طالما أن الإسلاميون طيّعون وينفّذون كل الاملاءات، فان أردوغان لم يتجرّأ وحاول كبت شطحاته الاخوانية بسبب إرتعابه ممّا قد يعترضه من عقبات وتوصيفات ستؤججها عليه وسائل الاعلام الدولية وخاصّة منها الاوروبية. موازاةَ مع الحذر الذي رافق كل خطوات الرئيس التركي في جولته الفرنسية، فإنه لم يسلم من سؤال منطقي ولكنه محرج بالنسبة إليه وجّهه له صحافي فرنسي وتعلّق تحديدا بضلوع بلاده في ارسال أسلحة إلى سوريا أو في دعم جماعات إرهابية داخل تركيا وخارجها. مأزق طالما حاول اردوغان تلافيه وتحاشيه، إلاّ أنه ردّ عليه بكل ارتباك بتوجيه وابل من الشتائم للصحفي ووضعه في خانة المتحدّث باسم ما أسماه جماعة محظورة في بلاده في اشارة الى منظمة فتح الله غولن التي تتهمها السلطات في تركيا بتدبير محاولة الانقلاب في صائفة 2016. كاتب تونسيوسام حمدي
مشاركة :